المقالة

مليـونيرات الإيـدز فرسـان الأرمـادا والهمـر

 

هـل انتهـت حكايـة أطفـال الإيـدز التـي أدمـت ومازالـت قلـب كـل مواطـن ينتمـي لتـراب هـذا الوطـن المترامـي الأرجـاء المسمـى ليبيـا بعـد أن ودعنـا السيـدات البلغـاريـات وتابعهـن الطبيـب الفلسطينـي صحبـة سيـدة فرنسـا الأولـى سيسيليـا ساكوزي إلـى صوفيـا ببلغـاريـا فـي رعايـة الله وحفظـه، وعلـى الفـور وبعـد أن قبـل أوليـاء أمـور الضحـايا التعـويض المؤطر دينيـاً تحـت مسمـى الديـة فنحـن قـوم مؤمنين نخـاف الله ورسـولـه، لنـا أن نرفـض الديـة مـن مواطـن غلبـان دهـس أحـد أحبـابنا فـي حـادث سيـر عـارض إذا لـم تتعـدى العشـرة ألاف دينـار، ونقبلهـا قانعيـن راكضيـن بأنصـاف الليالـي علـى صكـوك مصـرف ليبيـا المركـزي المليونيـة حتـى دون سطـوة الدولـة والمجتمـع الدولـي ممـن يحقـن فلذات أكبـادنـا عمـداً بفيـروس قاتـل أعـيا الأطبـاء فـي كشـف سـره انتهـت الحكايـة بعـد أن خجـل مسـؤولينـا مـن رد سيسيليـا الرقيقـة خائبـة، مانحيـن إياها وزوجهـا نصـراً سياسيـاً بـاهـظ الثمـن ولـو كـان علـى حسـاب دمـاء صغـارنـا، ولتتواصـل الأحـداث المضحكـة المبكيـة ويصـدر الرئيـس البلغـاري مستفزاً مشاعـر كـل الليبييـن عفـواً شامـلاً، فيمـا كانـت الإذاعـات الليبيـة تقـول لمواطنيهـا أنهـن ذاهبـات لقضـاء محكوميتهـن فـي بلادهـن، ولـم تمضـي ساعـات حتـى كـذب السيـد ساكـوزي التصريحـات الرسميـة الليبيـة بشـأن التعويضـات التـي دفعـت.. وثبـت لدينـا أن اللحـم البلغـاري الـذي كـان الأرخـص فـي أسواقنـا وكنـا نعـاف شـراؤه أغلـى كثيـراً مـن لحمنـا الوطنـي وألذ بعـد أن أصبحـت الكسبـة والأعـلاف المصنعـة طعـام خرفاننـا التـي لـم تعـد ترتـع فـي أريافنـا ومراعينـا التـي لـم تعـد خضـراء.

وأنـا هنـا لا أرغـب الحـديـث عـن مأسـاة صغـارنـا التـي أدمـت القلـب سنـوات طويلـة، فالمـرء حيـن يفعـل ذلـك لابـد أن يخنقـه البكـاء، بـل سأرصـد حكايـة أكثـر مـن أربعمـائـة مليونيـر هبطـوا فـي شـوارع بنغـازي فجـأة، وأشعلـوا الأسعـار فـي كـل شـيء بدايـة مـن ثمـن ربطـة المعدنـوس فـي فنـدق الجـوازي البلـدي وانتهاءً بأسعـار السيـارات الفخمـة والعقـارات ومـواد البنـاء.. فهـذا جـاري العـزيز يشتـري سيـارة أرمـادا يعـادل ثمنهـا 85000 دينـار بعـد أن أبتسـم الحـظ لأصحـاب معـارض السيـارات الفخمـة لزيـادة طلـب مليونيـرات الإيـدز علـى سيـارات الهمـر والـ GMC وغيـرهـا مـن المركبـات التـي لـم نحلـم بركوبهـا يومـاً… اللهـم لا حســد….

وعلـى عـادة مواطنينـا الأتقيـاء الأخيـار عنـدمـا يرزقهـم المولـى العلي الجبـار بفيـض مـن اليـورو والدينـار سيتـزوج عـدد منهـم علـى الصابـرات مـن نسائهـم المنتهيات الصلاحيـة اللواتـي أفنـين أعمـارهـن فـي خدمتهـم أوليـس الليبـي علـى رأي المثـل اليهـودي عنـا ” كلمـا زادن أفليسـاته أيبيع جـرده وتشيـن مـرآته “

فيـا أيهـا السـادة المفجوعيـن بدينـارات أخـر الليـل بمصـرف ليبيـا المـركـزي، مـا نـراه ونسمـعه عـن أفعالكـم وبذخكـم الأسطـوري الـذي لـم يجلـب لنـا نحـن البسطـاء سـوى غـلاء الأسعـار والهـم والغـم، يشيـر بوضـوح إلـى أن كارثـة تغيـر منظـومـة الأخـلاق فـي مجتمعنـا الذي كـان طيبـاً أعمـق وأشـد إيـلامـاً علـى النفـس مـن كارثـة أطفالكم الـذيـن لـم يعـد لهـم سـوى الله وقطعـاً سيكـون أرحـم بهـم منكـم.. فـأي عـاقـل لـديـه ذرة كـرامة وعقـل لا يفعـل مـا رأينـاه منكـم مـع الاحترام للقلـة الـذيـن يدركـون أن الدولـة سترمـي حيطتكـم قريبـا وسيحتـاج أطفالكم كـل مليـم مـن مليونكـم الرخيـص، لـذا أبقـوهـا للـزمـن فـي خـزائـن المصـارف البـاردة ولـم تطـاوعهـم ضمايـرهـم علـى أن يغـدروا بأطفالهـم ويستفـزوا مواطنيهـم بأعلـى درجـات الخسـة والوضاعـة التـي لمسنـاهـا.

ربمـا كـان الشـيء الإيجـابـي الوحيـد فـي حكايـة هـذه التعويضـات أن تعتـرف الدولـة لأول مـرة أن للمواطـن الليبـي ثمـن حتـى ولـو كـان أقـل عشـرة أضعـاف للأمريكـي فـي لوكربـي لكـن الخـوف كـل الخـوف أن تقتطعهـا مـن لحمنـا الحـي كمـا عـودتنـا دائمـاً فـي عـديد الاستقطاعات مـن رواتبنـا الهـزيلـة بـدايـة مـن ضـرائـب الجهـاد ودعـم الأسـواق والبندقيـة وليـس بأخـر ضريبـة النهـر، فسياسـة الأنفـاق فـي ليبيـا تتبـع علـى الدوام النظـريـة الاقتصادية المستمـدة مـن المثـل الشعبـي ” مـن لحيتـه أفتلـه حبـل “.

التـاريـخ لا يرحـم أيهـا السـادة، وحتمـاً سيتحـدث أحـداً مـا يـومـاً ويخبـرنـا القصـة الحقيقيـة لمـأساة أطفـال الإيـدز.. أما قضـاتنـا الأبطـال فـي بدايـة القضيـة فقـد انكشفـوا لنـا فـي نهـايتهـا بمجلـس قضائهـم الأعلـى وظهـرت الصـورة الحقيقيـة البشعـة لهـم، وهـو أنهـم ليسـوا سـوا أبطـال مـن ورق ورجـال بلا مواقـف.

ويبقـى لـدي تسـاؤل قـد يبـدو للعارفيـن بالسياسـة ودهاليـزهـا سـؤلاً غبيـاً، وهـو عـن مكسبنـا الوحيـد فـي القضيـة حسـب تصريحـات خارجيتنـا والسيـد عبد الرحمـن شلقـم وهـو التطبيـع الكامـل لليبيـا مـع الإتحـاد الأوروبي.. بمـاذا سيعـود علينـا هـذا التطبيـع نحـن الغلابـة البسطـاء عبيـد قانـون 15 المهـددين بالطـرد إلـى الشـارع كعمالـة زائـدة نتيجـة القـرارات العبقرية لتنظيـم الجهـاز الإداري.. نحـن المواطنيـن المثقليـن بالفقـر والبطالـة والهـم والغـم.. ؟ أم أنـه شـأن يخـص الـوزراء وتعاقـدات الشركـات النفطيـة.

مقالات ذات علاقة

المثقفون حمار ليبيا القصير

سالم العوكلي

إصلاح ديني، أم مماحكات أيديولوجية؟ (2)

علي عبدالله

كلاسيك (100/19)

حسن أبوقباعة المجبري

اترك تعليق