المقالة

كلمة المسرح

اختتام الدورة الثانية لمهرجان بنغازي للفنون المسرحية 2024
اختتام الدورة الثانية لمهرجان بنغازي للفنون المسرحية 2024

كان المسرح الليبي وطوال تاريخه هامشا اجتماعيا وثقافيا، يضيق حتى الاختناق والتوقف ليعود ويتنفس قليلا، فهذا الفن ولأكثر من قرن من الزمان ظل النشاط الثقافي والاجتماعي الغائب والحاضر، المنسي والمرفوض، ظل حقا ” الميت الحي”

المسرح الليبي كان ولازال كواحات ليبيا، متناثرا بارتجال عبر صحراء شاسعة وعبر زمن طويل.

في بنغازي التي كانت ولازالت واحة مسرح، انعقد مهرجان المسرح الشعبي بمشاركة فرق مسرحية من واحات ليبيا المتناثرة والمتشظية، والتقى فنانون ليبيون من ذلك المتناثر المتشظي وقدموا عروضا، تكاد تكون عرضا واحدا من الالم والاحباط والاصرار على الامل.

كان الانسان في هذه العروض تائها، ضائعا ورغم الزحام وحيد، وكانت الحروب والرصاص والموت العبثي خلفية ذلك الضياع والتوهان، كان مسرح ما بعد الحرب الذي عرفته أوروبا بعد حربها العالمية الثانية يظلل كل العروض الليبية بظلاله القاتمة بعد حربها الاهلية الطاحنة.

الوجع الليبي في هذه العروض، غلفه الضحك والسخرية من الذات ومن الاحلام والآمال ومن المستقبل بكامله، كان كل ما على الخشبة الليبية رماديا ومتشظيا، يكابد ابطاله الوحدة وفقدان الثقة في كل شيء،

في عرض “مرياع” من الواحة البنغازية يصارع الفن عذابات الاخصاء كي يصير صوت المغني جميلا، وتعاني كل القوى نفس الالآم كي يظهر الخواء والضعف قوة جبارة. وفي عرض “خرف” من الواحة البنغازية ايضا يتوه المسرح والفن عموما، لترتسم صورة المسرح متشظية والمواضيع والعذابات متناقضة ومحرمة، ان النصوص المسرحية تبحت عن كتاب وممثلين ومخرجين ليقولوها، وفي نفس المتاهة يبحث الممثلون عن نص يقدمونه، انه مسرح غياب نص متماسك يوحد الممثلين وغياب ممثلين احرار ليقولوا نصا متماسكا، لا نص عدا “خرف “، لا نص عدا ثرثرة وحكايات تتناثر ولا تنتظم، ان المسرح يقول عبر “خرف” تناثر الحكايات والشخوص وسط ضجيج الثرثرة والتخريف.

ببلاغة لافتة يقدم ” خرف ” تناثر وتشظي البلاد والناس والحكايات، وموت النص المتماسك وسيادة النص “خرف ” نص المتاهة والثرثرة البليغة.

من واحة البيضاء المسرحية يطل البطل المأزوم الضائع والمريض الذي عاش القمع منذ الولادة وحتى العبث واللا جدوى.

من واحة شحات يخرج المشعوذ بمعداته لمعالجة امراضنا ليفشل ايضا كغيره من المعالجين.

في واحة المرج المسرحية تتشكل حكاية مسرحية تلملم التشظي والاحباط والضياع والخيبات، التي يصارعها بطل ملحمي، يمزقه التاريخ والموروث والحاضر والمستقبل، اننا ننتج مسرحيتنا الليبية التي تقول عبث ولا معنى ولا جدوى رحلتنا المضنية، اننا نثرثر الما وننوح يأسا.

المسرح الليبي ومن غرفة الانعاش التي يسجن فيها يقول اننا نتشظى، نتفتت، نضيع

ليكون اصدق المصورين والمشخصين لحالنا المرعب رغم نعومة الاضاءة واننا هشون وقابلون للكسر، بل محطمون تماما.

المسرح الليبي ورغم كل الظروف التي يعيشها يرسم الصورة الاصدق والأبلغ والاعمق لنا، انه مراءتنا وان كانت مهشمة ومهمشة.   


بوابة الوسط | الخميس 19 سبتمبر 2024م

مقالات ذات علاقة

أديب ليبَيا الكبير يُوسف القويري فِي ذمة الله

المشرف العام

معاناة الكتابة..

المشرف العام

الخال يوسف القويري (1)

سالم الكبتي

اترك تعليق