التاريخ يخبرنا أن الدولة التي تدخل في حروب أهلية بين أبنائها، ليس من السهل أن تتعافى بسهولة أو تعود إلى سابق عهدها دون دفع ثمن غال جدا، قد يكون حتى جزءً من أراضيها.. طبعا بعد دفع جزءً من شبابها ثمنًا رخيصًا لهذه الحروب الأهلية التي تمزق أي دولة تكون ملعبا لها.
التاريخ الحديث حافل بالكثير من الأمثلة والأحداث، والحروب الأهلية التي عاشتها عديد الدول، والتي لا تبشر بخير في نهاية حلقاتها.. فمن يوغسلافيا التي نعرف كيف كانت النهاية بعد حروب طاحنة استمرت لعدة سنوات، وانتهت بتقسيم البلاد مع استمرار العدوة بين بعض دولها الجديدة وأعراقها المختلفة حتى اليوم.. ثم العراق التي تستمر فيها هذه الحروب الأهلية منذ أكثر من 21 سنة دون وجود طريق يؤدي إلى نهاية هذه الحرب حتى الآن.. أما الصومال فحدث ولا حرج، فقد تحولت إلى دولة تكاد لا وجود لها على الخارطة السياسية والدولية، وكأنها دولة منسية.. وطبعا لا ننسى الدول الأفريقية المتعددة التي خاضت مثل هذه الحروب، وكم الثمن الذي دفعتها ومنها من لم يتحقق الاستقرار الحقيقي حتى اليوم رغم مرور عقود على تلك الحروب.
ثم نأتي الى الدولة المثال الفعلي والأكبر في هذه الحروب الأهلية، ألا وهي لبنان، هذه الدولة التي فعلت بها الحرب الأهلية ما لم تفعلها بغيرها ورغم استمرار المواجهات المباشرة لحوالي 15 سنة، وما حدث بعد ذلك من اتفاق وتوقيعات وغير ذلك إلا إنها حتى اليوم ورغم مرور ما يقارب الخمسة عقود بالتحديد على إطلاق أول رصاصة في هذه الحرب، إلا أنها لم تستقر وتشعر بالأمان الحقيقي، وتكون دولة بمعنى الكلمة حتى اليوم.. فهي تحولت إلى حلبة صراع لتصفية الحسابات بين أبنائها وطوائفها المختلفة إضافة غلى تصفية الحسابات بين الدولة المتصارعة في المنطقة وخارجها، دون أن تجد الطريق الحقيقي للوصول إلى دولة لها مكانتها ودورها على الساحة الإقليمية والدولية ليدفع شعبها ثمنًا غاليا حتى اليوم، ويعيش المعاناة والأزمات والفقر وتكون الهجرة إحدى أهم طريق له للهروب مما يحدث في بلاده.
هذه أمثاله عدة لدول تحولت الى ساحة للحروب الأهلية في العقود الأخيرة وما وصلت اليه حتى اليوم.
فهل ستكون ليبيا استثناءً بعد كل ما شاهدته من قتال بين الأخوة وأبناء الوطن الواحد، وما حدث بها من جرائم ربما لم تشاهدها كل الدول المذكورة سابقة، وقد يقول البعض إن بلادنا غير تلك الدول وإنها لا توجد بها كذا أو كذا من الطوائف أو العقبات، أو غير ذلك من أعذار يتوهمها البعض، ولكن الحقيقة والواقع أثبت أن ما لدينا من بذور للصراع والقتل ربما يفوق ما لدى تلك الدول.. فنحن لدينا من الجهل والأمية (طبعا لا أقصد القراءة والكتابة) ما لا يملكه أحد ونملك من التعنت ولعنجهية ما يفوق كل تصور.. بل إننا استدرجنا حتى الماضي وما به من أحقاد وثارات في هذه المواجهات وفعلنا ما يفتح باب الثأر والحقد لعقود طويلة قادمة.. بل إن لدينا شيء آخر لا تملكه تلك الدول وهو من يقود كل هذه الأحداث فتلك الدول قاد حروبها وانقساماتها أناس يمكن القول عنهم إنهم لهم علاقة بالسياسة ولهم تاريخ ولهم اسم في بلدانهم، بل ولهم ما يمكن أن يحولهم إلى قادة حقيقيين لو إنهم تركوا السلاح.. ولكن نحن من يقودنا ويقود حروبنا؟ ويجلس على كراسي سلطاتنا أناس فاسدين لا علاقة لهم لا بالسياسة لا من قريب ولا من بعيد.. فمنهم خريجي السجون والمطلوبين للعدالة ومتعاطي المخدرات وسارقي أموال الشعب سابقا ولاحقا وحاليا.. ومنهم من لا مكانة له حتى بين أهله أو منطقته فما بالك على مستوى الوطن ومنهم المنحرفين وكل الصفات التي تجعل من الإنسان منبوذا حتى بين أقرب المقربين منه وهذه هي نوعية جل من سيطروا على المشهد العام وقادوا حروبه وجلسوا على كراسي سلطة البلاد رسميا وأمر واقع.
فهل نطمع من أمثال هؤلاء أن يحققوا لنا الأمن والامان والاستقرار؟ مقابل أن يذهبوا في ستين داهية؟ لا أعتقد ذلك.
أما المجتمع الدولي فكما فعل في تلك الدول، فلا أعتقد إنه سيفعل لنا أكثر منها ويحقق لنا ما عجز عن تحقيقه في تلك البلدان المذكورة وغيرها، ولا يبقى أمامنا إلا الأمل في الله، فهو فقط من له القدرة على إخراجنا مما نحن فيه، أم غير ذلك فلا نطمع في الوصول إلى ما نريد على الأقل في المدى المنظور حسب المعطيات والواقع المعاش، لأن كل نتيجة لابد أن تكون لها معطيات تسبقها حتى تكون منطقية ومعطيات الواقع تخبر بنفسه عن نتيجة القادم.