طيوب عربية

إعلامنا العربي ما له وما عليه في الظروف الراهنة

الإعلام الموجه (الصورة: عن الشبكة)
الإعلام الموجه (الصورة: عن الشبكة)

حينما نتناولُ هكذا ملفّ، علينا أن نكون أكثر جرأة لنعترف بأن عدم الوفاء لثوابتنا وقضايانا المصيرية تسلّل من بين أصابعنا، ومن مؤسساتنا الإعلامية، لأننا كنّا فاشلين جداً وأغبياء في كل مناهجنا التربوية والثقافية والإعلامية والدينية حتّى والسياسية.

فنحن في هذا الزمن الرديء للأمة بأمسِ الحاجة إلى صحوةٍ وطنية، إلى صحوةٍ قومية، وإلى صحوةٍ أخلاقية، لأن أزمتنا من أساسها هي أزمة أخلاق.

العدو حينما يُفجّر ويقتل ويُدمّر ويُبيد أبناء الأرض، يعتبر وقولاً واحداً إرهابياً ويُمارس جرائم ومذابح وإرهاب بحقِ الإنسان، أمّا أبناء الأرض حينما يدافعون عن أنفسهم ويُقاومون العدو، فهذا يُعتبر وفي المقام الأول نضال وكفاح من أجلِ حريتهم وسيادتهم وكرامتهم.

منذ اندلاع بركان الأقصى ولغاية الآن الأمة خجولة في مواقفها، والشعب مكبوتٌ لا يستطيع التعبير عن مشاعره ومواقفه القومية.

تناول بعض الإعلام الغربي قضية طوفان الأقصى بشكلٍ شبه أخلاقي، بنفس الوقت الذي تناول فيه الإعلام المشبوه عملية المقاومة الفلسطينية في الأراضي المحتلة بشكلٍ شرير وبكلِ انحياز، بحيث تبدو الضحية في وجهة نظره هي المعتدية، وتنحاز بشكلٍ فاضح إلى الروايات الصهيونية.

 أمّا الإعلام العربي، فحينما تناول عملية طوفان الأقصى وما تلاها، استخدم اسلوبه المُوصى به وبشكلٍ خجول، بحيث تشكّلت في ذهنية المواطن العربي تجاه هذا الموقف، نقاط استفهامٍ وتعجب وفي كلّ الاتجاهات.

كيف لا والقضية الفلسطينية كانت وستبقى القضية المركزية الأولى للأُمّة في ذهنية الشعب العربي.

 فأمام قضايا فلسطين المحتلة يجب أن يكون الإعلام العربي ومؤسساته واضحاً في توجهاته وطرحه وفي منحى واحد، ويترك جانباً كلّ إملاءاته و أجنداته و انحيازاته وتبعيته، ليقوم بدوره الوطني المأمول منه في تغطية كافة مستجدات الساحة الفلسطينية لحظةٍ بلحظة، وفتح المجال أمام الشعب العربي ليُعبّر عن رأيه وبكلِ روحٍ وطنية في الساحات والشوارع على امتداد الساحةِ العربية، كي يكون الصوت العربي واحداً، شامخاً في وجه دولة الاحتلال وأمام العالم كلّه، حينها تتراجع كلّ الرهانات الدولية والاقليمية، وتتفهّم الدور الوطني والقومي الذي تتمسك به المنطقة العربية وشعوبها، المنطقة التي لا تغيب أبعادها التاريخية والحضارية، المنطقة التي ترعى مصالحها العريقة.

من المؤسف أن يُصاب المواطن العربي بالإحباط حينما يُتابع تغطية المؤسسات الإعلامية العربية وشاشاتها ومواقعها للصراع القائم الصهيوني – الفلسطيني، لو دقّقنا في هذا الجانب لوجدنا الأبعاد الرمادية في العناوين وفي المقالات والتقارير بغض النظر إن كانت من خلال الإعلام المسموع أو المقروء أو المرئي.

لا نستطيع أن ننكر بأن هناك ضراوة في المعارك والمواجهات في الميدان الفلسطيني، وهناك أيضاً حرباً بين القنوات الإعلامية التي تترجم الواقع الميداني وفق توجهاتها واجنداتها، وتأليب الرأي العام، ومنها من قال إن عمليات غزّة خدمت نتنياهو وإسرائيل بشكلٍ مباشر.

 كما ومن خلال هذا الخندق الذي نتحدث عنه، لا يمكننا أن نتجاهل الدور الذي لعبت فيه قنوات : فلسطين اليوم – الجزيرة – والأقصى، على سبيل المثال وليس الحصر، ودورها المشهود له في تحشيد الدعم الشعبي، ونصرة الحق، علماً أن هذه القنوات قد واجهت وتعرّضت لمحاولات عديدة لإسكاتها، على اعتبار أنها صدى لصوتٍ تعتبره دولة الاحتلال والدول المتحالفة معها، إرهابي لا يحق له في التواجد أصلاً، لأنها تتناول القضية الفلسطينية على أنها قضية جرائم الاحتلال، وقضية شعبٍ يُقاوم ويصمد في وجه آلة الحرب الصهيونية.

 هناك تحديات، وهناك أطماع، وهناك صمتٌ مقرونٌ بالتجاهل.

نعم حاولوا إلغاء غزّة، فتحوّلت كل ميادين وشوارع عواصم العالم إلى غزّة، إلاّ الشوارع العربية !.

أمام هكذا واقع وجداني يتأكّد لدينا أن مساءلة الإعلام العربي والقائمين عليه، وفيما يخصُّ ” طوفان الأقصى ” ضرورة حتمية، ووطنية، ومهنيّة، بل هذه المساءلة هي بمثابة فرضٍ لا يقبل أي شكلٍ من أشكال التهاون أو التأجيل أو التردد، احتراما وتقديساً للمنحى القومي للأمّة.

بُعيد “طوفان الأقصى” اجتمعت كافة الدول العربية والإسلامية لاتخاذ موقفٍ ما، ماذا نتج عن هذه القمة؟، لا شيء !، مُجرد شعارات جوفاء، بمعنى (استمروا في العدوان، نحن نائمون).

كافة الدول العربية بلا استثناء لديها ترسانات من الأسلحة المُخزّنة أساساً لتحرير فلسطين “كما قالوا”،  لا تزال في المخازن والمستودعات وأصابها الصدأ.

وبدلاً من الاهتمام في القضايا المصيرية العربية، التفتت الزعامات العربية إلى تكريس الفرد، أمام أصابع الاتهام التي تُوجّه إليها من الشعب، الذي يتّهمها بالتخاذل عن نصرة فلسطين ومقدساتها وشعبها.

 ومن فوق الطاولة، ومن تحتها، تتم عمليات التطبيع الرسمي مع الصهيونية، ومنها الخجول، بهدف استيعاب المشاعر الشعبية الغاضبة. والإعلام العربي مع الأسف يتناول يومياً مجريات الأمور على الساحة الفلسطينية وكأنها تحدث في منطقةٍ ما من العالم.

أمامنا الكثير من المهام وعلى رأسها بذل كل الجهود من أجل تحصين الأجيال القادمة بفكرٍ وطني وقومي نقي كي لا يكونوا لقمةً سائغةً أمام الفكر الظلامي واستغلالهم لمصالحه.

نحنُ الآن بأمسِ الحاجةِ في ظلّ الظروف الراهنة التي تحياها الأمة من إعادةِ الاعتبار لمفهوم الوطن الواحد ومفهوم العروبة الواسع والشامل وعلى مستوى الساحةِ العربية المتراميةِ الأطراف، وهذا البند هو المفتاح الوحيد من أجلِ الانطلاق نحو بناء مستقبلٍ عربيٍ أفضل، وبكلِ تأكيد هذا لن يتأتّى بدون تحقيق وضعٍ دستوريٍ سليم على مستوى الأمة.

المشكلة قد يظنّ البعض أنها غياب الديمقراطية السليمة، ولكن ضعف الهويّة العربية بمفهومها النقي، وولادة هويّاتٍ مشبوهة كمزيجٍ بين العرب وغيرهم، والتبعية، كل هذه النقاط لعبت دوراً كبيراً في غياب الموقف العربي. وهنا تكمن خطورة الانقسام، ليس على مستوى الساحةِ العربية وحسب، بل داخل كلّ الأقطار العربية.

 وبكل تأكيد إن أي مؤامرة أو أي حربٍ يتم التحضير لها، من الضروري أن يكون لها  جانب إعلامي مُضلّل لترويج مجريات الأمور والتي يتم التخطيط لها بشكلٍ مسبق وكما يبتغي المعتدي.فلقد دخلت وبقوة وسائل الاتصال والإعلام كقوةٍ جديدة من القوى الأساسية للدول، تماماً مثل القوة العسكرية أو الاقتصادية، والحرب الإعلامية ليست حديثة، فلقد نوّه إليها القادة الأمريكان في سبعينات القرن الماضي وقالوا أن سبب خسارتهم الحرب في فيتنام يعود إلى سوء استخدامهم لوسائل الإعلام، وقالوا لا يمكنهم أن يكسبوا أي حربٍ مستقبلية دون أن يخوضوا حرباً إعلامية أولاً، لذلك في عام 1980 تم إنشاء فضائية CNN لهذه الغاية.

إن ما يحدث على الساحةِ العربية هو عبارة عن حرب كونية ومخطط لها بشكلٍ مسبق الصنع لخلق شرق أوسط جديد، يبدأ من اغتيال الدور أو الفكر الوطني والقومي وتهميشه، وتفكيك المجتمعات على أسسٍ طائفية وعرقية ومذهبية لتبقى إسرائيل هي الفاعلة على الأرض متحكمة بمصير شعوبها.إنّ ذوبان الهوية العربية يعني بصريح العبارة السياسية ولادة حروبٍ أهليةٍ طائفية تروم إلى دمار كل شيء، وتأكل الأخضر واليابس بشهيّةٍ وفي كل الاتجاهات.

 فعندما نتحدث عن التضامن العربي والهوية العربية المشتركة إنما نعني حماية مجتمعاتنا العربية وتحصينها من شراهة الآخرين، الطامعين بثرواتنا وبمكانتنا.فالهوية العربية تعني أصالة هذه الأمّة وحضارتها وثقافتها الرافضة للتطرف، ومن جانبٍ آخر فإن الهوية العربية غير مرتبطة بعرقٍ أو دين، ولا بأحزاب، أو مواقف سياسية من خلال منظور أيديولوجي، وبدون هذه الهوية العربية لا ولن تكون هناك ” أمّة العرب واحدة “.  ومهمة الكتاب والمفكرين والمثقفين العرب كبيرة في هذا المجال، وتقع على عاتقهم مسؤولية كبيرة، عليهم أن يتحمّلوها بكلِ أمانةٍ وصدق، وعسى أن نشهد ومن خلالهم ولادة حراكٍ عربي جاد يلتزم ويحرص على الهوية الثقافية العربية ومضمونها التاريخي والحضاري، ويعتمد مفهوم الوطن والمواطنة، بعيداً عن أي انتماء طائفي أو مذهبي، ويسعى من أجل الوصول بأساليب ديمقراطية سلّمية، لا عنف فيها، تروم إلى حرية العقل العربي، وحرية الإنسان وحقوقه، كي تتساوى حقوق كل مواطنٍ مع الآخر.

إن الحرب على الأُمّة بكلّ معانيها ودلالاتها هي حربٌ ضالّة مُضلِلة، قادها إعلامٌ إقليمي ودولي حاقد، هي حربٌ كونيّة ومُخطط لها بشكلٍ مُسبق، لخلقِ شرق أوسطٍ جديد، يبدأ من اغتيال دور الفكر الوطني والقومي وتهميشه، وتفكيك المجتمعات لتبقى إسرائيل هي الفاعلة على الأرض، مُتحكّمة بمصير شعوبها.

أمام هذا الواقع المتردّي على الكتّاب والمفكرين والأدباء العرب العمل على وضعِ إستراتيجية إعلاميةٍ وثقافية تخدم أهدافنا الوطنية والقومية، لأن ذاكرة التاريخ تُؤشّر إلى أن الكثير من الحروب كانت نتاجاً إعلاميّاً مُروّج له بشكلٍ مشبوه وشرير.

 على المثقفين والمفكرين والكتاب العرب العمل بشتّى السبل، من أجل مواجهة تيار الفتنة،  وفضح تيار التبعية والتطبيع الذي يهدف إلى تغييب المواطن العربي، والذي ينشط على الساحة العربية المترامية الأطراف. وبغير هذا النهج فنحن مقبلون على التردّي أكثر، وقد ننجرف إلى الهاوية، بمعنى أن تغرق السفينة بمن فيها.

مقالات ذات علاقة

هل العزلة ثقافة أتصال أم انفصال؟* 4 ـ 7

إشبيليا الجبوري (العراق)

على عتبة العام الثاني: إنّما قاتلَ اللهُ الحربَ ما أبشعَها!

فراس حج محمد (فلسطين)

على سراجٍ شفيفٍ أُناغي دَمْوَزَةَ عَشتار!

المشرف العام

اترك تعليق