عواض شاهر العصيمي | السعودية
عملاق طيب
في بحر “الشعيبة” يستعير الماء من عيون الأطفال بريقًا أخاذا. كان رغم ضخامته يلعب الأطفال باسمه، ويدخلون أقدامهم الصغيرة فيه. التقط البحر من إحدى الأقدام الصغيرة جوربها الملون. بكت الطفلة ممسكة بالجورب الآخر. كانت قد وقعت مثل بتلة على ظهرها. المويجات القزمة التي أوقعتها انسحبت مسرعة إلى مسافة أبعد، ولما تحصنت جيدًا بموقع أفضل، أفلتت الجورب.
*
رسالة
في رسالته التي يستيقظ من أجلها كل يوم، يكتب لها المزيد، الأشياء التي عملها يؤجل الكتابة عنها، يكتب عن الأشياء التي يود لو يعملها، تلك الأشياء التي لا تكتمل إلا معها. يكتشف كل يوم أنها أكثر مما تصور في اليوم الفائت. عندما يختلط أحمر المساء بأسوده، يأمل أن ينتهي من رسالته في اليوم التالي ليبعثها على العنوان الذي بهت بعضه على الورقة وانطمس بعضه الآخر.
*
أغنية
قبل قليل الأغنية الشعبية التي تسلخ صوتها من الشارع، استغرقت لحظات قبل أن تبتعد ويستلمها إسفلت المنعطف القريب، غير أن طبقة رفيعة منها مكثت تتردد في سمعي حتى أعادتني إلى شارع بعيد عبرته ذات يوم بالأغنية نفسها. في مثل هذا اليوم، على سيارة تمشي متمهلة كما لو أنها كانت ترسم عذابات الأغنية على الإسفلت، أو عذاباتي المزعومة آنذاك. خيل إلي أن السيارة التي عبرت قبل قليل من تحت النافذة، هي سيارتي نفسها في تلك الحقبة وأنا في داخلها ذلك الشاب الذي كنته. فما الذي جاء به الآن من تحت نافذتي؟
*
مسامرة
في تلك الوهلة، لعل ما تذكرته النار من نفسها، أنها لحظة اشتعالها قفز لسان صغير منها خارج الموقد. حدث ذلك قرابة الثامنة من مساء غير بعيد، في صحراء واخزة كنبات الشرشر. وكنت أوشك أن أشبه ألسنة اللهب بلحية الموقد. وقع اللسان الصغير على مسافة شبر تقريبًا من رجل يوشوش له عقده السابع بأن يحكي لنا حكاية. وكان سيبدأ، لكنه لما رأى لسان النار الصغير يقع بالقرب منه، سكت مليًا. حك رقبته طوليًا، ثم هز رأسه دون أن ندري لماذا، ثم غير رأيه وحول الجلسة إلى قصائد هجاء في كل القبائل حتى العاشرة. لم نسأله لماذا. لم نقاطعه. وكنت بين قصيدة وأخرى أرفع رأسي إلى السماء مخافة أن تسقط في حجري نجمة فتفسِد في أذني صوت الشيخ.
سرد أدبي/ مجلة فصلية أدبية، العدد الرابع – مارس 2022م.
عواض شاهر العصيمي من مواليد الطائف بالمملكة العربية السعودية. له أربع مجموعات للقصص القصيرة منها: ما من أثر عن دار طوى، فكرة واحدة في الدور الأرضي عن دار سندباد، و رفيقة إلى البيت عن نادي مكة الأدبي. له سبع روايات من أبرزها: نار المرخ عن دار مدارك للنشر، و طيور الغسق عن دار أثر.