المقالة

مجزرة أبوسليم وإعدام متهمين

سجن
سجن

تمر هذه الأيام الذكرى 28 على مجزرة أبوسليم المروعة، التي مازال الغموض يلف أحداثها، وما حدث خلالها بالتفاصيل، ومع ذكرى لهذه الحادثة، أتذكر ما حدث في يوم من الأيام منذ سنوات، يتعلق بهذه الجريمة ومحاولة إلصاق التهمة بشخوص مجهولة، عبر محاكمتها وتنفيذ حكم الإعدام فيها، على إنها هي من كانت وراء ما حدث في هذه الواقعة، ويتمثل ذلك في تنفيذ حكم الإعدام في شخصين عسكريين تم اتهمهما بالوقوف وراء هذه الجريمة، رغم أن هذا الأمر لم يتم التطرق إليه تقريبا لا إعلاميًا ولا حتى سياسيًا، ولا بأي طريقة؛ لا في فترة النظام السابق، ولا بعده، رغم أنني شهدت الحكم وتنفيذه بأم عيني؛ مرئيًا طبعًا، وليس ما أقوله كلامًا منقولًا كما قد يعتقد البعض، وسأروي قصة الأمر بالتفصيل.

ففي سنة 2004، وعندما كنت أؤدى ما كان يعرف بشهر الجيش حينها، لمن أدى الخدمة الوطنية، وكان هذا الشهر هو شهر نوفمبر 11 تحديدًا، وفي إحدى الأيام طلب منا جنود الكتيبة التي أنتمى إليها كما يطلقا علينا داخل المعسكر الحاضرين يومها، التوجه إلى صالة المطعم العلوية بمعسكر التكبالي تحديدًا لتجهيز المكان لحدث ما، لم نعرف ما هو في تلك اللحظة.. حيث تم تنظيف تلك الصالة التي يبدو أن احدا لم يدخلها منذ فترة طويلة بسبب ما كان بها من أوساخ وتراب وغيرها.. فعمل جل الجنود على القيام بما هو مطلوب لتجهيزها، لإقامة الحدث المجهول حتى تلك اللحظة.. وبعد عملية التنظيف أحظرت أعداد كبيرة من الكراسي من داخل المعسكر لتنظيمها.. إضافة إلى إحضار عدد من الصالونات لجلوس من يفترض أنهم كبار الضيوف من ضباط وغيرهم، مع إحضار جهاز مرئي “تلفزيون” وجهاز عرض مرئي “فيديو”، حتى إننا ظننا أن الأمر يتعلق بعرض مرئي؛ إما لأحدى الأفلام أو الأشرطة الوثائقية لتمضية الوقت، الذي يمضي دون أي قيمة في ذلك الشهر سوى الحضور واللقاء داخل المعسكر، حتى موعد الانصراف.

المهم اننا بدانا نتهكم فيما بيننا حول الأمر ونتحدث عن إننا نريد مشاهدة هذا الشريط أو ذاك، حتى حان الموعد فطلب من الجميع الجلوس في كراسيهم التي قمنا بتجهيزها داخل المكان، وبعد انتظار دخل عدد من ضباط المعسكر يقودهم آمر الكتيبة حينها، يرافقهم عدد من الضباط من خارج المعسكر واعتقد إنهم كانوا من إدارة التوجيه المعنوي بقوات الشعب المسلح، كما تسمى الأشياء حينه.. وبعد أخذ كلا لمكانه قدم لنا هؤلاء الضيوف كما أطلق عليهمـ ليتحدثوا إلينا حول الأمر الذي تم من أجله كل ذلك.. فكان أن أخبرنا أكبرهم رتبة أن الأمر يتعلق بقضية مهمة أثارت الراي العام في ذلك الوقت؛ وهي قضية “سجناء أبوسليم”، وما تعرض له السجن من تصفية بعض السجناء حسب وصفهم للأمر.. وطبعا كان الحديث طويلا، لكنه تركز على أن من تسبب في تلك الجريمة كما وصفوها، قد نالوا جزائهم وتم محاكمتهم وتنفيذ الحكم عليهم، وأنهم سيعرضون علينا شريطا لمحاكمتهما وتنفذا الحكم عليهما، باعتبارهما كانا شخصين لا أكثر، وأنهم يحملون هذا الشريط لعرضه على كل المعسكرات والكليات العسكرية والأماكن المختلفة، خاصة تلك التي لها علاقة بالجيش، لكي يعرف الكل ما حدث، ومصير من يتلاعب بأمن البلاد حسب قولهم.. ويكون مصيرهم عبرة للأخرين، وخاصة من العسكريين الذين كما يبدو تم التركيز عليهم، لعرض هذا الشريط.. كما طلبوا منا أن ما يتم مشاهدته بهذا الشريط لا يجب ان يتم الحديث عنها خارج المعسكر بتاتا، وهو سر من أسرار الدولة وأمنها.. وبعد عديد الكلمات التي تمحورت حول أمن البلاد من هنا وهناك، بدء عرض الشريط المرئي لنشاهد في بدايته جلسة محكمة عسكرية تتداول في القضية وتحاكم شخصين عسكريين، وجهت لهما التهمة بالوقوف وراء ما حدث في سجن ابوسليم؛ حول ما عرف بمجزرة السجن.. أعتقد أن أحدهما كان ملازما ولكن لا أذكر هل كان ملازم أول أم ثان، والآخر كان برتبة رئيس عرفاء، كما أذكر ان اسم احدهما كان يحمل اسم “خميس”، لكن لا أجزم هل كان اسمه الاول او لقبه تحديدا.. لكني أذكر أن خميس كان من بينما ذكر عند نطق الأسماء، وطبعا بعد مداولات محدودة حسبما هو موجود في الشريط، تلي الحكم والذي كان منطوقه الإعدام لهما رميا بالرصاص.. وفعلا بعد عرض مشاهد من المحاكمة، انتقلت المشاهد الى ساحة تنفيذ الحكم، حيث تم التنفيذ بإطلاق الرصاص على كل متهم وكان كل منهما مربوطا إلى عمود اثناء تنفيذ الإعدام، من قبل مجموعة من العسكريين، طبعا كلا لوحده.

وبعد انتهاء العرض، تم اعادة تذكيرنا بأن هذين الشخصان متهمان بالخيانة العظمى وارتكاب جريمة ضد الوطن، وغيره من كلام، بعضه كان مغلفا برسائل تهديد ترسل لكل من يحاول القيام بأي أمر يمكن أن يكون يمس أمن البلاد ونظامها، كما كان يروج أو حتى التحدث عن الأمر خارج المكان.. كما أخبرونا أنهم في طريقهم الى الكلية العسكرية التي كانت تقع بعد معسكر التكبالي في حينها، وهي في موقع كلية الشرطة وجوازات صلاح الدين حاليا.

هنا تنتهي قصة ما حدث، لكن السؤال المطروح هو أنني لم أسمع يوما لا في عهد النظام السابق، ولا ما بعده عن مثل هذه القضية وما حدث فيها؟ ولا من هما الشخصان اللذان تم إعدامهما ومحاولة تقديمهما ككبشي فداء لهذه القضية الشائكة جدا؟

السؤال مازال مطروحا، فهل هناك من لديه معلومات عن هذه الحادثة، أم إن أسرارها ذهبت مع من ذهب؟ أو أن لا أحد يريد الخوض في الأمر حول ما حدث؟ فكل شيء جائز، خاصة أن قضايا كثيرة تمت في ظل النظام السابق، ولا أحد يريد الخوض فيها اليوم، أو فتح ملفها علانية لمعرفة حقيقة ما جرى.. ومنها قضية مباراة الرصاص بين الأهلي والاتحاد، التي ذهب ضحيتها هي الأخرى أكثر من 30 مواطنًا، ولكن لا أحد أخبرنا عن تفاصيلها أو فتح ملفها حتى اليوم، ونحن على أبواب ذكرها هي الأخرى بعد عدة أيام، والتي أعتقد إن لها علاقة بما حدث في سجن أبوسليم، وهو أمر سأتطرق إليه في حينه، إن كان في العمر بقية.

مقالات ذات علاقة

أين ليبيا التي عرفت؟ (24)

المشرف العام

الثقافة الحارس الأمين للإنسانية

عائشة إبراهيم

جرة قلم

المشرف العام

اترك تعليق