وقفت أنظر إلى التليفون الجديد بقرصه الدائري، ولونه الرمادي، بشيء من الزهو، وبعد أن انتهى عامل البريد من عمله، وتأكد أن الحرارة قد وصلت إليه، جمع أشياءه وغادر. شعرت بفرح شديد؛ ها قد أصبح عندنا تليفون.
كم تمنيت أن يكون هذا الجهاز العجيب في بيتنا، ولم أتوقع أن يأتي الجيران لمشاهدته، كانت تبدوا عليهم الدهشة، فقليل جداً في مديتنا من يمتلك هاتفاً في بيته. مرت أسابيع ثم شهور وهو صامت، يحتل مكاناً في (الصالة)، يبدوا شامخاً ولكنه لم يرن أبداً حتى أركض إليه، مع أنه ليس هناك أحد يسابقني إليه، فأنا وحيدة والدي؛ ليس لهم غيري.
صرت أذهب بين لحظة وأخرى لأتأكد أنه يعمل، وأتساءل بيني وبين نفسي، من تراه سيتصل بنا؟ لا أحد ممن نعرفهم لديه واحد!! حتى صديقاتي في المدرسة لقد وزعت عليهن رقمه، كن يضحكن علي وهن يعتقدن أني أتفاخر عليهن به، أعرف أن ليس في بيوتهن تليفون، ولكن كنت أشعر بالفخر وأنا أكتب رقمه على الورقة وأعطيه لهن.
مرت شهور أخرى وهو صامت، أطمئن عليه في كل صباح ومساء، أقلب أوراق الدليل الذي بجانبه، الممتلئ بالأرقام، وأتأكد أن الأسلاك غير مقطوعة، فقط لا أحد يتصل!!
ذات مساء دخلت جارتنا وبيدها ورقة بها رقم لمدينة أخرى، طلبت مني أن أتصل به، فهو لشقيقتها، فقد كانت تذهب إلى مبنى البريد لمكالمتها. شعرت بالامتنان، ها أنا سأضع إصبعي في حلقاته وأدير قرصه، وأتظاهر بأني أفعل ذلك كثيراً وأطلب لها الرقم الذي تريده، تكررت زيارة جارتنا لنا، تجلس قرابة الساعة وهي تتحدث مرة بصوت عالي ومرات أخرى تهمس همساً، كنت أحسدها وهي تضع السماعة على أذنها وتصغي لمن يتحدث لها عبر هذا الجهاز الصغير.
أصبحت جارتنا تدير القرص لوحدها لم تعد تحتاجني، ويبدوا أنها أخبرت الجيران بمكالماتها فأصبح باب بيتنا يطرق كثيراً، وفي يد كل واحد رقم يود الاتصال به، ورغم ذلك استمرّ هاتفنا على حاله لا يرن أبداً ، إلى أن جاء يوم قمت من فراشي وقد ظننته حلم، إنه صوت التليفون! نعم إنه هو ولأول مرة يرن، عام كامل مضى وهو صامت، ترى من المتصل؟ ركضت إليه وابتسامتي تسبقني وقلبي يخفق بشدة:
– ألو، هل هذا منزل …….؟
– نعم إنه هو
– ألو، ألو
لم يسمعني، وأنا أيضاً لم أعد اسمعه، بدأت أحرك أصابعي في الهواء وسقطت السماعة من يدي، ارتبكت نزعت السماعات الصغيرة من تجويف أذني، لماذا ركضت نحوه؟ لماذا انتظرت كثيراً سماع رنينه؟ لماذا فعلت كل ذلك ونسيت أنني خرساء ليس بوسعي الكلام؟ نسيت أني لم أتعلم في مدرستي سوى لغة الإشارة!