طيوب عربية

مراهق الحرب .. روح مخذولة

من أعمال التشكيلي الليبي_عبدالمنعم بن ناجي (الصورة: عن عدنان معيتيق)
من أعمال التشكيلي الليبي_عبدالمنعم بن ناجي (الصورة: عن عدنان معيتيق)

تلك الشظية النازفة في أزقة جسده المتهالكة، ما تزال تمتص دمه المسوّدَ لتعيدَهَ في ما تبقى من أشلائه الناضجة من وهج القنابل، يا لها من شظية مزروعة في كهوف صدره الموحشة، ليت ذلك القلب المسكون بكل قنابل الحقد والدمار، ليته ما كان، ليتني ما كنتُ، جثة مهمشة مصلوبة على جدران الوهم، وفي زوايا الموت.

قلبي صار شظية ينفث دمي الأسود في كل العروق البالية، قلبي المحطم ينكر ذاته، وينكرني، لا يتعرف بهذا الكوكب المظلم، فهو من مخلفات الحرب، هذه الحرب التي تركتني خلفها ظلا لا حضور له، الخوف يغمرني، والموت يهرب مني، يعول كالريح، يمزق روحي كعاصفة شمسية في صحراء من جليد الحرمان.

لم يدرك ذاك المراهق الذي طالما شدتّه الحرب بين الخير والشر –عبر شاشة التلفاز- أن الحرب أكبر من الخير والشر، بل أيقن أنها شرٌّ لا يسلم منه أحد، في سريره المتجمد رأى الشيطان يتسلل من ثقوب الحرب، يمسك بها كالكرة النارية تحرق كل ما يعترضها، يا لها من روح مخذولة، تتدحرج فوقها كرة الحرب، والشيطان لاعب “بولنج” ضرير، يتخبط بين الأرواح المشتعلة، ومعه تتخبط أشلاء الأطفال.

منذ ذلك الحين لم يفتح ذاك المراهق عينيه، فقد فقدَ البصر بكل قوته، لا يريد أن يرى جسده المثقوب كعلبة بلاستيك في ماء البحر المالح، لا يريد أن يرى جثة أمته اختلطت برماد السيارات المتفحمة، ويداه، لم تعد تشعر بأي شيء، أيضا –رغما عنها- اجتث الإحساس منها، فهو لا يريد أن يتحسس لعبته مقطوعة الرأس، لم تُبقِ له الحرب ما يستخدم الإحساس لأجله، يد والده قضمتها رصاصة مسعورة، ما عاد يقدر أن يمسك أي منهما بالآخر، فقد اغتالتْ والده ذاتُ الرصاصة المسعورة.

وبقي ذلك المراهق يلهف في جوف الضياع، يبكي بدموع من جليد، فوق وجه هو بقايا تجاعيد الزمان، نحتته الحرب رغما عن كل حلم، كان يظن أن غدا حافل بالأمن والأمان، وما أن فتح عينيه أطل شيطان الحرب، حمله بكفين من نار ودخان، فأدرك ذلك المراهق أن لا رجعة من الحرب، فالحرب والموت وجهان لعذاب واحد.

تمت كتابة هذ النص بطريقة سردية متشظية وغير متسقة، لأنه يعبر عن الحقيقة التي يعيشها المراهق، فهذا النص لا يتحدث عن المراهق (ليست وجهة نظر )، وإنما هو حديث المراهق عن نفسه (انطباعات المراهق) وانفعالاته وعواطفه، ولا يخفى أن المراهق يكون في أقسى حالات التشظي والشتات في مثل هذه الظروف ظروف الحرب والموت والخوف والضياع، لذلك جاءت اللغة معبِّرة عن الحال الحقيقي له.

مقالات ذات علاقة

تراجيديا

المشرف العام

من تحت الليل يضدني

إشبيليا الجبوري (العراق)

قراءة في قصيدة كوليـرا (0 ـ 4)

إشبيليا الجبوري (العراق)

اترك تعليق