برامج رمضان التلفزيونية
المقالة

البرامج التلفزية الخيرية إذلال للإنسانية

تحفل شاشات التلفزة، خاصة خلال شهر رمضان المبارك، بعديد البرامج الاجتماعية، والتي تحمل صفة البرامج الخيرية، التي يحاول أصحابها من خلالها تقديم ما يفترض إنها مساعدات وخدمات إنسانية مختلفة، من أموال وسلع قد تصل إلى؛ السيارات، والعقارات، وفرص العمل، وغيرها، وهو وإن كان أمر يفترض إنه إيجابي في ظاهره ونتائجه، لمن يقدمها ويقدم ما يعرضه على الشاشة لمن يستضيفهم، ويقدمهم كمحتاجين وليس مجرد دعاية تنتهى بانتهاء البرنامج.

للأسف الشديد، فإن الأمر بعيد كل البعد عن الأعمال الخيرية والمساعدات الحقيقية، لأن هذا البرنامج عند عرضه، يتحول إلى وسيلة للأذلال وكشف عورات الأخرين وفضح حياتهم، وما يعيشونه من ظروف لا يجب أن تتحول إلى وسيلة للتسويق والدعايات التافهة، وحتى إن رضى صاحب الحاجة، أو من تقدم لهم هذه المساعدات، بمثل هذا الامر، في سبيل الحصول على ما يُقدم لهم من مغريات وحاجيات مادية وعينية، قد يحتاجونها فعلاً، وقد تكون لا قيمة لها أصلا، ولا تغني ولا تسمن من جوع.

الأمر أصبح وسيلة لكثير من الأشخاص ومن وراءهم من جهات وشركات دعائية، لإذلال هؤلاء المحتاجين، من خلال كشف شخوصهم والتعريف بهم أمام الآخرين عبر الشاشات، ليصبحوا وسيلة للتنمر لدى الأخرين، وهو أمر يتنافى مع العمل الخيري الحقيقي، المفترض أنه يقدم لوجهة الله -وهو آخر ما يفعلونه- ويتم بالسر، ودون الكشف عن المستفيدين منه، وحتى لو كان من الضروري تقديم هذه البرامج من أجل هذه المساعدات، كان يمكن إخفاء أصحاب الحاجات دون إظهارهم بشكل علني مقرف، يضعهم في مواقف محرجة لا تنتهي ولا يحسدون عليها، هم وأبناؤهم في مستقبل الأيام، بل وطيلة الزمان أحيانا من أجل بعض الماديات، وإن كانوا في امس الحاجة اليها.

أما مقدمو هذه البرامج، فهم يتحولون من خلالها إلى أناس لا ضمير لهم ولا إنسانية، حتى إن حولوا إظهار العكس، وإنهم يتعاطفون مع أصحاب الحاجات في إدارة درامية رخيصة، لا تساوي دمعة أو حاجة مما يعيشه ممن تستغل حاجاتهم، للدعاية لأنفسهم بل، وقبض ربما أضعاف ما يقدمونه، وكأنهم طالبي شهرة ودعاية على حساب حاجات الآخرين، وأي كان مقصدهم، يتحول أصحاب الحاجات إلى مجرد وسيلة للحصول على المال أيضًا.

فمثل هذه الأمور تكون برا حقيقيا عندما لا تعلم اليد اليسرى ما قدمته اليد اليمنى، لا أن يصبح الأمر مشاعا ويعلمه آلاف الناس من المتابعين، التي لا تستحق المشاهدة اصلا لمن له قلب وضمير وإنسانية، فهدفهم هو الحصول على المشاهدات، التي هي هدفهم الأساسي والأهم من كل ما يدعونه من فضل وخير ومساعدة المحتاجين.

فهل من وقفة لإيقاف مثل هذه البرامج، بهذا الشكل، ومنعها بثها بمثل هذه الطريقة المذلة ليس لمن تقدمهم عبر الشاشات فقط، وتقدم لهم لمساعدات، بل لكل الإنسانية التي يتحول فيها الإنسان المحتاج إلى سلعة ووسيلة للدعاية، وتقديم البرامج التافهة لإفراد وجهات، لا يهمها إلا استغلال كل ما يمكن استغلاله من أجل دعاية فارغة، ومكاسب واهية لا قيمة لها أمام دمعة محتاج وحاجة مضطر في نهاية الامر مهما كنت نتائجها ومقصدها.

مقالات ذات علاقة

الـهـرواك…

جمعة الفاخري

مناظرة شعرية

نورالدين سعيد

فن الكتابة الملونة

محمد عقيلة العمامي

اترك تعليق