محمد مفتاح الزروق
أتممت قراءة رواية (المطر الأحمر) للكاتب عيسى عبد القيوم. هذه الرواية التي بنيت وقائعها -كما صرح لي- على تجربته الشخصية في مغادرة البلاد والانضمام إلى (الأفغان العرب)، استجابة لما كان يظن أنه نداء للجهاد بعد أن سدت الجهات الأمنية السبل أمامه للعيش حياة طبيعية في بلاده، وإلى أن استقر به المقام في المملكة المتحدة.
اعتمد الكاتب في سرده الروائي على الحبكة الخطية Linear plot ولكن مسارها اتخذ خطين رئيسين غير متوازيين، ليلتقيا في النهاية لتفسير العقدة التي ارتكز عليها لغز الرواية، والتي كانت مذكرة زرقاء فقدها البطل في المترو أثناء شجار. تلك المذكرة كان يدون عليها يومياته منذ أن غادر بنغازي وحتى وصل إلى بريطانيا.
لم تخل الحبكة من التشويق، رغم ما تخللها من فقرات إخبارية وتقريرية اضطر إليها الكاتب -ربما- حاشية للظروف السياسية والتاريخية المحيطة، مصحوبة بالمونولوج الداخلي والذي لم يكن حوارا حقيقيا بين شخصيتيه المتناقضتين الكامنتين فيه ربيع وأبي الحسام، بل صراعا عاناه لفترة طويلة، تمكن فيه أبو الحسام المتطرف من الانتصار في البداية، لكن ربيع القلق والمثقف والمتسائل والباحث عن الحقيقة نجح تماما في جعل أبي الحسام شيئا من الماضي ومجرد ذكرى كونت شخصيته.
الشخصيات ثلاثية الأبعاد round characters في الرواية يمكن أن نختصرها في البطل، وبقية الشخصيات ليست كذلك بل أغلبها flat characters بما فيها شخصيتا المسار الثاني للقصة وهما الأكاديمي سيمون وزوجته كلير اللذان يعيشان في لندن مع ابنتهما وكلبهما.. فلا دور لهما في الرواية إلا فك طلاسم المذكرة الزرقاء والتجول في المدينة والحديث عن قضايا الساعة. بقية الشخصيات تظهر لفترات مؤقتة وتترك تأثيرا وتمضي بدءا من أفراد أسرة البطل وحبيبته أميرة وصديقه التونسي كمال وصاحبة البنسيون في المنستير وبعض المحاربين العرب في أفغانستان والرفاق في القاهرة وانتهاء بصديقته الليبية التي تدرس الإنجليزية في بريطانيا والتي استغلها الكاتب طعما في أن تكون مشروع قصة حب جديدة للكاتب ولكنها مضت كغيرها من الشخصيات في الرواية وهو أمر طبيعي لشخص عاش حياته غير مستقر في مكان واحد.
الأصوات في الرواية كانت كلها للراوي في الضمير الغائب المحدود Limited third person point of view واعتمد فيها الكاتب على عنصر العرض الذي تخللته فقرات طويلة من الإخبار، وهذا الأمر يرجع إلى ضخامة المادة الإخبارية وصعوبة توظيف العرض والفلاش باك والحوار وفقا لقاعدة Show, don’t tell .. ناهيك على أن الحوار نفسه لم يظهر كثيرا في الرواية إلا بين سيمون وزوجته، فلم يكشف عن الشخصيات ولم يدفع بالأحداث إلى الأمام كما هي وظيفته الرئيسة.
الحوار كان الحلقة الأضعف في الرواية، فقد ظهر المتحاورون أشخاصا هادئين على وفاق في الحوار، وهو أمر لا يجتذب المتلقي، الذي يتطلع إلى وجود صراع أو خلاف بين المتحاورين للوصول إلى نقطة توافق، ويكتشف من خلاله القارئ أمورا جديدة لم يكن يعرفها عن الأحداث وعن طبيعة الشخصيات. إجمالا، إذا أخذنا بعين الاعتبار أنها الرواية الأولى للكاتب فإنها عمل من الأعمال الناجحة والجيدة في تاريخ الرواية الليبية.
لن أذكر المزيد من التفاصيل حتى لا أفسد على القارئ متعة التشويق الذي نجح فيه عبد القيوم، خاصة عندما كان يجتزئ نهاية الفصول ليدفعنا إلى تقليب الأوراق لنعرف ما الذي حدث بعد ذلك، وكذلك مباغتتنا في الفصل الأخير بمصير المذكرة الزرقاء.
في هذه الرواية تفسير من شاهد عيان لما جرى للمقاتلين العرب في أفغانستان، وتقديم لوقائع أعرفها للمرة الأولى عن الصراع هناك، وهي قضية لم يسبق لي أن قرأت حولها عملا أدبيا، وأعترف أيضا أنني كنت جاهلا بها تماما وكلي يقين أن الكاتب قد توخى الأمانة في التعريف بها، لأن الحقيقة لامست شغاف قلبي فاطمأن لها.
ختاما، أهنئ صديقي يوسف محمود حويج على روايته وأتمنى أن أرى له عملا آخر قريبا. كانت إضافة قيمة إلى مكتبة الرواية الليبية والعربية أيضا.