شخصيات

محمد فريد سيالة.. وريادة الرواية الليبية

الكاتب الليبي محمد فريد سيالة

تعتبر كتابة الرواية في الوطن العربي من أجدد الأجناس الأدبية المعاصرة، والتي ما لبثت أن تحولت إلى جنس أدبي يضم أغلب الأجناس الأدبية ويتفوق عليها، ومن هنا بدأ الكتّاب العرب في دخول عالم السرد الروائي، هذا العالم المنفتح على مصراعيه لشتى صنوف الإبداع الأدبي، وبالنظر إلى دول شمالي إفريقيا وخاصة دولة ليبيا، في ما يخص رواد كتابة الرواية العربية المعاصرة، نجد أننا أمام قامة أدبية وصحافية لها مكانتها في هذا المضمار، حيث يعد الأديب والصحافي الليبي (محمد فريد سيالة)، من أهم وأبرز رواد كتاب الرواية في ليبيا، حين انسلخ عن كتابة القصة القصيرة، ليلج عالم السرد الروائي من خلال كتابته لأول رواية ليبية عرفت بعد ذلك، وهي روايته (وتغيرت الحياة) كان ذلك في العام (1957م)، ولهذا ينسب إلى سيالة، قدم السبق في حوض غمار كتابة الرواية المعاصرة في دولة ليبيا.

ولكن ووفق بعض المصادر الأدبية، فيرجع البعض إلى أن أول رواية ليبية نشرت وتمت مصادرتها ولم ترَ النور، كونها تتكلم عن الحرب الإيطالية، هي رواية (مبروكة) لحسين ظافر بن موسى، والذي عاش في سوريا، كون والده كان ملحقاً عسكرياً هناك.

أما رواية و(تغيرت الحياة) لمحمد فريد سيالة فقد نشرت على حلقات في مجلة (هنا طرابلس الغرب)، أما روايته (اعترافات إنسان) فهي أول رواية مطبوعة.

ولد (محمد فريد سيالة) في فبراير (1927م)، في العاصمة الليبية طرابلس من أسرة مرموقة، تشتهر بالعلم والتدين والخلق، لذلك وجد منذ ولادته حفاوة كبيرة من قبل أسرته، وذويه، وكان محباً للعلم والثقافة، شأنه شأن باقي الأسر المعروفة بطيب الأثر، في هذه الآونة، حيث التحق محمد فريد سيالة، كباقي أقرانه في طرابلس العاصمة بالكتّاب، ليتلقى مبادئ التعليم الديني والهجائي، فقد تلقى العلم وحفظ القرآن على يد المشايخ آنذاك، منهم الشيخ علي الشريف، أما اللغة العربية فقد تعلمها في مسجد الصقع، ومن ثم التحق بمدرسة (برينشيبي دي بيمونتي) الإيطالية عام (1937م)، ليكمل تعليمه، حتى حصل على دبلوم المعلمين في العام (1949م)، وعمل في تدريس مادة اللغة العربية في مدرسة باب تاجوراء، ومدرسة المدينة القديمة (طرابلس حالياً) لعدة سنوات.

رواية (نحو غد مشرق) للروائي الليبي محمد فريد سيالة

وفي هذه الأثناء بدأت علاقة (سيالة) تتوثق بالصحافة والكتابة، وإلى جانب عمله المهني كمدرس، عمل صحافياً بجريدة لواء الحرية الليبية، حتى شغل منصب رئيس تحرير عدة صحف منها: (مجلة صوت العربي، ولواء الحرية، والطليعة)، وعقب ذلك قام سيالة بترؤّس وتأسيس جريدة الأولميباد، التي تحولت لاحقاً إلى جريدة الفجر، كما شارك في تأسيس جمعية الفكر الليبية. وبرز اسمه في عالم الكتابة الإبداع واهتم بكتابة القصص القصيرة، وما لبث أن تحول إلى في عالم السرد إلى تجربة كتابة الرواية، والتي وجد فيها ضالته، لينطلق بعد ذلك في كتابة عدة روايات، اهتمت أغلبها بقضايا الإنسان، ومعاناته في الوقت المعاصر، وكذلك انتصاره لقضايا المرأة والدعوة لكسر القيود التي كبلت معصمها لعدة قرون.

ويعد (محمد فريد سيالة) من أبرز رجال الثقافة والأدب والصحافة في ليبيا، وكان له دور بارز في إثراء الحركة الأدبية والثقافية، على مدار حياته الحافلة بالعطاء والإبداع والتفاني في خدمة قضايا إنسانية واجتماعية. ويعود إليه الفضل في نشأة الرواية الليبية، وقد تميّزت معظم كتاباته، بنقد العادات والتقاليد، التي كانت سائدة في المجتمع الليبي، خاصة المتعلّق منها بالمرأة، وقد أثارت كتاباته، خاصة (اعترافات إنسان) وكتاب (نحو غدٍ مشرق) و(الحياة صراع)، ضجة كبيرة في الشارع الليبي لدعوتها الواضحة إلى (تحرير المرأة الليبية).

كما قام (سيالة) بتأليف العديد من القصص والرويات والكتب خلال مسيرته الأدبية، نذكر منها: قصة (خضراء الدمن- 1945م)، و(الحب الأول- 1955م)، وكتاب (نحو غد مشرق- 1958م)، ورواية (وتغيرت الحياة) كأول رواية لكاتب ليبي، ورواية (الحياة والصراع- 1959م)، ورواية (اعتراف إنسان 1962م)، إلى جانب الكثير من المقالات السياسية والاجتماعية والأدبية عبر عدة صحف ودوريات صحافية.

ونال (سيالة) عدة أوسمة وتكريمات من خلال عمله ومشاركاته واهتمامته، أبرزها: وسام الريادة الليبي من الدرجة الأولى في الأدب عام (1989م).

وقد فارق الحياة في عام (2008م)، بعد رحلة أدبية وصحافية مشرفة، تاركاً بصمة في مجال الكتابة والإبداع، إلى جانب مواقفه الدفاعية عن حرية الإنسان والمرأة، وانحيازه لقضايا وطنه ومجتمعه.


الشارقة الثقافية | العدد الواحد والثمانون، 01 يوليو 2023

مقالات ذات علاقة

مديرو مدينة جنزور قديماً وحديثاً (2)

محمود الغتمي

الفنان المعلم.. علي قانه

رامز رمضان النويصري

المبروك الزول.. المناضل والشاعر الذي تنبأ بالثورة – الحلقة الأولى

المشرف العام

اترك تعليق