أحمد باوه
مرزق عاصمة إقليم الصحراء والجنوب فزان، العريقة في تاريخها وتراثها، محط القوافل والرواحل، ومقصد التجار والعابرين نحو افريقيا السمراء، منذ احقاب بعيدة في عمق الماضي السحيق، ها هي اليوم وقد بات اطلال.. لقد هجرها سكانها.
نيران الحرب التهمت جوهرة الصحراء، واختار اهلها مغادرتها قسرا بعدما ذاقوا ويلات العذاب والمهانة، والانتهاكات الصارخة المنافية لحقوق الانسان ونواميس الطبيعة، على يد عصابات مسلحة قادمة من وراء الحدود، احالت العاصمة العريقة الى خواء لا نفس فيه.
أربعة اشهر من الاحتراب والخراب عام 2019 كانت كافية لترحيل الساكنة، اكثر من 35000 الف نسمة هم اليوم خارج ديارهم، مبعثرين اطراف قرى فزان، ومن اختار منهم الهجرة نحو الشمال شرقا وغربا.
لا تسل عن حجم الانتهاكات، من قتل وتشريد ونهب للممتلكات، ذلك مما يصعب حصره ووصفه، يكفي – على سبيل المثال – ان نستذكر حادثة اجتياح مسلحين لمنزل احدى الاسر بحثا عن رب الاسرة المتهم بالمقاومة، وعندما لم يجدوا له اثر، قاموا باغتيال ابنائه الذكور، طلق ناري في الرأس، والتهجم على الزوجة الحامل وضربها، بل ان احدهم سلبها الطفل الرضيع الذي تحتضنه، ليتأكد ما اذا كان ذكرا ام انثى، وعندما تيقن انها أنثى، رمى بها الى الام، وتعالت صرخات الام تعانق عنان السماء وتتوسل المدد والنجاة.
من يمكنه َجبر الاحزان عندما تلف المكان، من يمكنه ان يدفع الضيم عندما لا يجد المظلوم حيلة، من يمكنه ان يكتب كلمة تؤازر اسرة شريدة في اصقاع بعيدة، من يمكنه لملمة اشلاء مدينة.
حَلْتُم والدِّيارُ صَرخَتْ.. وقالتْ
لمنْ أَبْقىَ وأَنْتُم رَاحِلِينَا
تُربَتيِ صباحاً جَمِيلاً
عَسَى المَوْلَى يَجْمَعُ فَاقِدِيناَ