لم يحدث في أي يوم من حياتي أن تحصلت على شيء مجاني، يُهدى إليّ هكذا بلا مقابل، ولكن ذلك اليوم، في دغل صغير قرب الشجرة التي أركن تحتها سيارتي، وجدت بيضة شقراوية صغيرة تركتها لنا دجاجة الجيران.
نظرتُ بامتنان إلى الدجاجة التي راحت تتفتل مع رفيقاتها في الأرض الواسعة بين أشجار السرو والزيتون، وتبقبق لهن باعتزاز عن تجربة ولادتها الجديدة، كانت تقول لهن أنها دحمت هذه المرة بشكل مختلف، لكنهن بقبقن جميعاً أن تجاربهن الماضية كانت كلها مختلفة، وتدخّل ديك فطِن وقال لكل واحدة منهن: أنتِ رائعة وتبلين حسناً. توارت حكاياتهن خلف سيقان القصب وأغمار البرسيم والخبّيز. فيما استسلمتُ لحيرتي أمام هذا الشيء التافه الصغير الذي حدث فجأة، كطفرة جينية في مسار الحظ الذي ظل دائماً مخاصماً وعنيداً، وتساءلت: ما الذي سأفعله بها؟ هل أحمل تلك البيضة التي لا تزيد عن حجم إصبعي الإبهام وأطرق باب الجيران وأخبرهم أن دجاجتهم السوداء قد وضعتها في فناء بيتي، فيقسمون لي بأغلظ الإيمان أن احتفظ بالبيضة هدية منهم؟ ما هذا السخف! وكيف لي أن أطرق بابهم ونحن في حجر صحي لا أحد يقترب من الآخر، أو يلمس بيضة لمسها الآخر؟ عجباً، حتى ابتسامة الحظ الوحيدة لا تأتي إلا عبر طريق شائك طويل.
صباح اليوم التالي، شقّت سكون الصباح بقبقة عالية، تصدح بفرح عارم، تقافزت الدجاجات مهنئات، وأطلقت الديكة أعيرة نارية من فوق السياج، خرجتُ استطلع الأمر، كانت بيضة أخرى صغيرة، تتمدد باطمئنان جنب أختها، فيما الدجاجة السوداء تركض بجنون وسط السياج فاردة جناحيها وتدور بخيلاء في حلقة حول نفسها. أصبح الأمر أكثر إثارة، بيضتان في فناء بيتي ونشرة أخبار الاقتصاد تقول أن سعر البيض يقفز إلى أربعة عشر ديناراً، بلؤم مُبيّت قررتُ أن أتجاهل أمر الجيران، وأن أفكر في عجة فطور طرية تأتي بابتسامة حظ من السماء.
في اليوم السادس في الحفرة الصغيرة، بفناء بيتي، تحت ظل سيارتي الرابضة في مكانها منذ بداية الحجر الصحي، تستلقي ست بيضات جميلات من دجاجة طيبة تبقبق في الصباح لتخبر الجميع عن ولادة مختلفة، وتصفق لها رفيقات مرحات، ولكن في هذا اليوم كان لابد أن أخرج لقضاء أمر، أدرت محرك السيارة وغادرت باكراً، وما أن عدت، وهممت بفتح باب السياج لأركن السيارة في مكانها، حتى تفاجأت بجلبة عظيمة في الفناء الذي اكتظ بسبعة عشر دجاجة يعترضن طريقي وقد فردن أجنحتهن وأطلقن سمفونية بقبقات متواصلة، تحركتُ ببطء باتجاه الشجرة، وتعمدتُ أن أرهب مظاهرتهن ليفسحن الطريق، لكن كان هناك ديك شرير قفز من فوق السياج وحطّ على مقدمة السيارة وأخذ ينقر الزجاج ويتقافز مطلقاً صيحات متوعدة.
توقفتُ لاستطلع الأمر، كانت الدجاجة السوداء ترقد على البيض في الحفرة وتنظر بقلق باتجاه السيارة، لقد قررتْ اليوم أن تصبح أُماً وتنسف كل أحلامي بأطباق العجة اللذيذة، كنت أعلم أنه لا شيء يأتي بالمجان، وأن الحظ فكرة مهرطقة وسخيفة، وسوف يفقس البيض عن فراخ صفراء صغيرة تحوشهم الأم وتغادر فنائي الذي لم يكن إلا مكاناً للاحتماء، تبا للحظ العاثر. قدت السيارة ببطء حذِر باتجاه الشجرة، حيث أخذت الدجاجات بالتنحي عن الطريق وهن يطلقن فيما أظنه وابلاً من السباب، وطار الديك بعيداً بعد أن قذف الزجاج بكومة من الفضلات، وحدها الدجاجة السوداء ظلت متشبثة بمكانها تضم بيضها بجناحيها في دفاع مستميت، رغم هدير المحرك العالي وحرارته التي تصهد المكان.