مهنَّد سليمان
ربما لا تحتاج المخيلة للاستدراج حتى تقع في فخ عِنانها فقصص الكاتب “أحمد يوسف عقيلة” مَحمولة على ثغر الطبيعة ومحاطة بمحفزات الإبداع ليس للقاص فقط بل لريشة الرسام ولإزميل النحات فللعوامل البيئية التي تنشأ وتربى فيها القاص عقيلة دور حسم حتمية أن يكون قاصا دونما منازع، وهذا ما نجده في قدرته على التصوير بعدسة قلمه الثالثة ونافذة روحه المتسعة على الجبل الأخضرومراعيه، وحديثنا اليوم سيركز على أحدث مجموعة قصصية للكاتب “أحمد يوسف عقيلة” (المكحلة) الصادر مؤخرا عن منشورات دار الفرجاني للنشر والتوزيع حيث تضم بين دفيتها نحو 50 نصا قصصيا أو يزيد قليلا يجتاز من خلالها عقيلة ملكة قلمه على الادهاش إلى تجسيد الحياة بمفردات أدبية شديدة الخصوصية أمام عينيّ القارئ لتُشرّع له الباب واسعا أمام حياة تظهر بسيطة بساطة فطرة المجتمعات الإنسانية السابقة لوحشية المادة وعولمتها الأيام بيد أنها تكاد تشتبك بشكل يومي ومحموم مع محاولات النظام العولمي اقحام مخرجاته التي أربكت إيقاع حيوات هؤلاء البشر أكثر مما رفدت مستقبلهم.
حس إبداعي عالٍ
نماذج متباينة ومتنوعة تتمثلها قصص عقيلة، وفي أغلب الأحيان على طريقة النفس الواحد أو الشهقة الواحدة أو لعلها صرخة يسري دوِّيها بين الوديان، أكثر القصص لا تتجاوز الأسطر المعدودة حمَّلها عقيلة الحطب والريح قوت يوم العيال والمساك الوعرة وأحلام الفتيات والفتيان، ذات النفس الواحد فما الداعي لكتمها أو للثرثرة حول مضامينها تحت تسويغ -الاستطراد-. إن عقيلة يُحِكم بناءه الفني وفق خريطة يتضح أفق مآلها لأنه يدرك بذكاء فطري أولا وحسّ إبداعي ثانيا بأنه ليس بحاجة للالتفاف وإهدار الزمن للوصول إلى بيت القصيد واستهداف المعنى، وبالتالي ينجو عقيلة بهذا الذكاء من الحشو الذي يوظفه أحيانا بعض الكتّاب لمساعدتهم على الوقوف إزاء معنىً ما يُجسّد المفارقة الدرامية، كاتبنا لا يُرهق قارئه بقدر ما يُربِّت على كتفه بلسان حال يقول : سأخذك نتنزه لبرهة أُريك كيف تُشرق الشمس على صدر الجبل، ونُجرِّب سويا فرص تأمل كل شيئ، نعم قصص أحمد يوسف عقيلة بمثابة فرصة لخوض تجربة الولوج للوحة تشكيلية ترجع للعصر الفيكتوري يحرص فيها القاص على اضرام النيران وتَرك النهايات محترقة أحيانا.
حفظ سر الجمال
مشهديات تكاد تتماس مع أفق مشترك وواحد تجمعها قصص بل لنقل صور مرئية في عين الذاكرة مُشبَّعة بترميز متزن تتبع إشارات تقدمها أناء الليل وأطراف النهار، فالعنوان الذي يتصدر المجموعة يعلن بوضوح دون لُبس أن المرأة هي من الفاعل المُحرِّك لمعطيات النصوص فكل قصة تقول نفسها دونما الحاجة للبحث عن بدائل تستعيض بها، حيوات البشر كما تشرق عليها شمس الأصيل ويسطع في سقف أمنياتها قمر المساء. يُسر انسيابي إن جاز لنا التعبير إذ لا يترك للقارئ المجال ليمل أو ليضجر يُودعه وسط أحراش الجبل الأخضر وامتدادته المزهرة التي ماتزال تحفظ سر البساطة الأولى عندما تتهجّى الخطوة حرف النداء. خليط مشحون بالحنين لأيام سلختها تعقيدات الحاضر وانسداده، مجموعة (المكحلة) وجبة اللذيذة سيزدردها القارئ بامتنان دسم .
تعليق واحد
السلام عليكم
الكاتب الكبير أحمد يوسف عقيلة اسم مهم في القصة القصيرة في ليبيا، ومتميز بتناوله لموضوعاته القصصية التي تقترب من الطبيعة وتحتفي بها!
شكرا للكاتب مهند سليمان هذه القراءة