الطيوب : متابعة وتصوير / مهنّد سليمان
نظمت الجمعية الليبية للآداب والفنون ندوة ثقافية لمناقشة كتاب (المنفى الذهبي…بالبو في ليبيا أضواء وظلال) للباحث الدكتور “مصطفى رجب يونس” الصادر عن منشورات دار الفرجاني للنشر والتوزيع، وذلك مساء يوم الثلاثاء 31 من شهر يناير الجاري برعاية جهاز إدارة المدينة القديمة طرابلس بدار حسن الفقيه حسن للفنون، وشارك في نقاش الكتاب كل من :- الكاتب “يوسف الغزال” الذي قدم قراءة انطباعية حول ماجاء في الكتاب المذكور استعرض من خلالها تنامي الحركة الاستعمارية الحديثة منذ القرن الخامس عشر إبّان فترة ازدهار الكشوفات الجغرافية للتتوسع في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر، ومع عصر الصناعة وتكدس الانتاج وحاجة المصانع الأوروبية لأسواق جديدة لتصريف منتجاتها دفع الكثير من الدول الأوروبية للبحث عن مناجم جديدة للمواد الخام، وأشار الغزال بأن كتاب المنفى الذهبي يسد ثغرة في المكتبة الليبية فيعتبر جوهرة ثمينة تضاف للجواهر الثمينة التي تزين طرابلس مضيفا أن الكتاب لا يقدم المارشال بالبو باعتباره مؤسسا لمدينة طرابلس ولا هو ابنها البار بل هو جاء ليعلن أن طرابلس وليبيا كلها هي الشاطئ الرابع لإيطاليا الفاشية، موضحا بأن الكتاب وفق هذا المنظور يتحدث عن السنوات الذروة لبناء البنية التحتية في طرابلس خصوصا وليبيا عموما فهو يتناول فترة قصيرة امتدت بين عامي 1934 و1940، والتي بدأت بعد عشرين عاما من مقاومة الاحتلال، وتابع الغزال إن بالبو رأى نفسه أرقى من أن يكون حاكم لإحدى المستعمرات الإفريقية البائسة وعرف لماذا مسوليني نفاه بعيدا عن روما ما جعل بالبو يقرر أن يحول هذا المنفى إلى منفى ذهبي ويجعل طرابلس تضاهي جمال وروعة روما ،ليتفرغ لاحقا لعمارة طرابلس وإعادة هيكلتها، واعتبر الغزال أن هذا الكتاب هو إنجاز علمي رصين معزز بالوثائق كبت بطريقة منهجية وصف أدواته وحدد حقله الدراسي.
بالبو ومشروع الطريق الساحلي
كما شارك المهندس والباحث “فاضل الصويدي” بورقة تطرق فيها لعدد من المحاور أبرزها نشأة الفاشية وأسباب تسمية المارشال إيتالو بالبو، وظروف إنشاء الطريق الساحلي، والرعاية الصحية في فترة الثلاثنيات إضافة لمشروع بالبو الزراعي وحادثة وفاة بالبو في طبرق، واستهل حديثه قائلا : يكثر الحديث عن الفاشية ماذا تعني الفاشية فعندما غزت إيطاليا ليبيا عام 1911م لم تكن إيطاليا وقتذاك فاشية بل كانت مملكة يحكمها فكتور عمانويل الثالث وفي عام 1915 انضمت إيطاليا للحرب العالمية الأولى إلى جانب الحلفاء ضد دول المحور، وأردف بالقول إن إيطاليا رغبت في أن تجد لنفسها مكان وسط القوى الاستعمارية وتصعد كقوة استعمارية جديدة لاسيما أنها لم تكن بقوة فرنسا أو بريطانيا حينها وتابع الصويدي أن أولوية إيطاليا بانضمامها لدول المحور في الحرب العالمية الأولى هو أن تسقط الإمبراطورية المجرية النمساوية بالفعل حققت انتصارا كبيرا مما مكنتها لتكون عضوا في عصبة الأمم، وأوضح أن إيطاليا في أعقاب الحرب العالمية الأولى مرت إيطاليا بمحن وأزمات اقتصادية كبيرة وصعبة وبالتزامن مع ذلك خشيت إيطاليا أن ينتقل الشيوعيين الجدد إليهم خصوصا بعدما أطاحوا بالحكم القيصري في روسيا، وفي ظل هذا التخبط خرج وبرز موسوليني الذي كان خطيبا مفوها وخطبه تشنف الآذان مؤمنا بالقومية الإيطالية وبالإشتراكية أسس حزبا اسماه الفاشي وهو مرادف يعني حزمة من الخشب ويتوسطها فأس دلالة على القوة، ومنذ وصول موسوليني لسدة الحكم عام 1922م أصبحوا يؤرخون للسنوات بالفاشية، وأضاف الصويدي أن بالبو عقب تعيينه حاكما عاما لليبيا قرر أن يطلق مشروع الطريق الساحلي من رأس جدير غربا وحتى امساعد شرقا ليربط شرق البلاد بغربها واشتغلت على تنفيذ مشروع الطريق حوالي 13 شركة مقاولات إيطالية بنحو 13 ألف عامل يتضمنهم ألف عامل إيطالي لينجز المشروع في توقيت قياسي مقارنة بأحوال ذاك الزمن.
قمع حركة الجهاد مهّد الطريق
فيما شارك أيضا الباحث “مراد الهوني” بورقة نقدية عن الكتاب بيّن فيها أنه لم تحظى شخصبية سياسية إيطالية بمثل ما حظيت به شخصية إيتالو بالبو فقد كتبت عنه الكثير من الكتب والدراسات التي اهتمت بالبحث والكتابة عن هذه الشخصية حيث شغلت آنذاك الرأي العام الإيطالي سواء في حياته أو بعد مماته، وأضاف الهوني ان بالبو لم يكن فقط أحد السياسيين الإيطاليين من الحزب الفاشي بل كان أحد الأربعة اللذين تصدورا زحف القمصان السوداء في روما عام 1922 لإرغام الملك عمانويل على تكليف بنيتو موسوليني بتشكيل الحكومة الإيطالية، وبالبو يعد هو المؤسس التاريخي للقمصان السوداء والشبيبة الفاشستية، وأورد الهوني أن البعض يعتقد بأن أحد أسباب تعيين بالبو حاكما على ليبيا ترجع لتزايد نفوذه داخل إيطاليا وذيوع صيته ما يشكل تهديدا على زعامة موسوليني نفسه، وأضاف الهوني أن المؤلف لم يتطرق لهذه المسألة في كتابه وأردف قائلا : إن بعض الشباب لدينا يرون في بالبو أنه مؤسس ليبيا الحديثة وهو أمر غير عقلاني وإهانة لدماء الشهداء الليبيين لكن في آن الوقت بالبو يعتبر من الشخصيات الإيطالية الأكثر مرونة، موضحا أن ما كان لبالبو أن يتبنى كل المشاريع العمرانية والزراعية لولا حالة السلم التي سادت ليبيا وقتذاك وتحديدا عقب نجاح إيطاليا في قمع حركة المقاومة الجهادية.
الكتابة الموضوعية تضبط الانحيازات القيميّة
من جانبه شارك كذلك الكاتب “رضا بن موسى” بمداخلة أشار فيها إلى أنه بعد قراءة كتاب المنفى الذهبي الذي قدم صورة تكاد تكون شاملة لمنجزات حكم استعماري في ليبيا يكون سؤالنا الأساس هو لماذا لم تستطع أنظمتنا الوطنية، وخاصة بعد تدفق النفط والحصول على التمويل اللازم للإعمار والتحديث من تحقيق الآمال والطموحات في التنمية والتقدم هل يؤشر هذا إلى الفارق الحضاري بيننا وبين الغرب الرأسمالي، وإلى العجز الذي يظل يقيدنا في خلق القوى النخب والطلائع القادرة على إدارة عمليات التحديث والتطور بل ووأدها وسحقها بأنظمة شمولية فاشية ظلامية، وأردف بن موسى بالحديث قائلا : رغم أن الكتاب الدراسة قد اتسعت وبتفاصيل لتقديم صورة عما أنجزه الممثل النموذجي شبه المثالي للفاشية كادت أن تكون صورة محسنة مثلما حاول اليمنيون الإيطاليون تقديم صورة لموسوليني إيجابية ويعتقد بن موسى أن مرد ذلك يعود للكتابة الموضوعية العلمية التي تضبط انحيازاتنا القيميّة مضيفا إلا أنها وفي ثناياها وللموضوعية ولو بصورة غير كافية لا تشيح النظر بين الحين والآخر عما ارتكب من جرائك شائنة وظلم فادح تجاه السكان الأصليين، وأوضح متسائلا : هل أصابنا نحن الليبيون ما أصاب مؤرخي الاستعمار من فقدان للذاكرة حيال تلك الجريمة التاريخية التي يحاولون الايحاء بأن سياستهم لم تتحول إلى حد التقوقع الحقيقي في فصل الأجناس او إلى مستوى تلك التي أقيمت لليهود في أوروبا.