فنان عاشق للمسرح يرى أن المسرح هو الحياة بكاملها، دفعه عشقه للمسرح أن يغادر البلاد مبكرا وعلى حسابه الخاص في اتجاه باريس من أجل دراسة هذا الفن، درس وشارك هناك في أعمال مسرحية، ثم عاد للبلاد مع بداية نهضة مسرحية ثالثة كما يصفها هو ـــ قادها فنان أخر عاشق للمسرح أيضا هو الفنان إبراهيم العريبي، الذي سعى مع بداية السبعينيات رفقة آخرين إلى ترسيخ تقليد جديد هو إقامة المهرجانات المسرحية السنوية والتي انطلقت في البداية بوثيرة جيدة، ثم تباعدت دورات الانعقاد حتى انقطعت.
عاد البوصيري عبد الله من باريس وكله أمل ورغبة في المشاركة في نهضة مسرحية ليبية، فزود الحركة المسرحية والمكتبة الليبية بعدد كبير ومميز من المسرحيات، ولعل مسرحيته الهامة (لعبة السلطان والوزير) والتي نشرت بمجلة الأقلام العراقية في السبعينيات ونالت شهرة عربية قد أعلنت عن ظهور كاتب مسرحي كبير، يجيد هذا الفن ويضع خطوات هامة على الطريق.
لا يعترف البوصيري عبد الله بوجود (أزمة نص) في المسرح الليبي، فالنصوص المكتوبة الجاهزة كثيرة تنتظر التنفيذ، ولكنه يرى بأن المسرح الليبي يعيش أزمة وعي برسالته ودوره في التثقيف والتنوير كما يرى بأن هناك اختلافا كبيرا بين نوعين من الكتابة المسرحية، مسرحيات تكتب خصيصا للتنفيذ على المسرح وتسمى (الكتابة الركحية) ومسرحيات أخرى تكتب للمسرح، ولكن للأسف قد تظل حبيسة الكتب لا تصل إلى مرحلة العرض على الجمهور.
قدم البوصيري عبد الله عددا من الأعمال المسرحية الهامة، وبدا في إصدار (مكتبة البوصيري المسرحية) حيث صدر منها جزءان ومن أشهر أعماله مسرحيات تفاحة العم قريرة، الغربان وجوقة الجياع، حالة حصار بلا مناسبة، سجينة الجدران، القاتلات، تحولات، اوريست يعود إلى المنفى، ثلاثية يوسف باشا، وقد فازت مسرحيته الأخيرة (آلهة العرب) عام 2016م بالترتيب الثاني في المسابقة التي نظمتها الهيئة العربية للمسرح بمقرها بمدينة الشارقة.
ويهتم الكاتب الفنان البوصيري عبد الله بالمسرح الملحمي حيث يظهر ذلك بوضوح من خلال الأعمال التي قدمها ففي مسرحية تحولات يعود البوصيري عبد الله إلى بجماليون ليكتب عملا مسرحيا جميلا عن هذه الشخصية الأسطورية ولكن بشكل جديد مخالف لما سبق حيث يتنازل بجماليون عن العرش ليتحول إلى نحات يتقن فنون النحت ويهيم بجمال منحوتاته.
وفي مسرحيته آلهة العرب يعرض بشكل ملحمي لأساطير العرب، ألهتهم، وحروبهم، وغزو أبرهة الحبشي لجزيرة العرب، ويتوقف نصه المسرحي عند دخول أبرهة الحبشي واقترابه من محاولة هدم الكعبة، لكنه يختم المسرحية بحوار قصير بين المؤلف والمخرج عن سبب التوقف مع التأكيد على أن جوهر العمل المسرحي الذي قصده هو (علاقة العرب بآلهتهم عند مواجهة المحن).
مازال الكاتب البوصيري عبد الله مع ثلة قليلة من كتاب المسرح الليبي يكابدون، ويحملون على أكتافهم صخرة سيزيف، في محاولات مضنية لاستمرار المسرح الليبي الذي يفتقد حاليا لكل شيء، فلا توجد مسارح صالحة للعروض المسرحية، وقد تم الاستيلاء على مقرات الفرق المسرحية، وحجبت الحقوق المالية للمسرحيين من طرف الهيئات والوزارات المشرفة على قطاع المسرح، وفي ظل مثل هذه الظروف يكون المشارك في الأعمال المسرحية بالكتابة أو التمثيل أو الإخراج بمثابة الشخص الذي يحاول القفز إلى المجهول، أو الحرث في البحر، فعلى الوزارات والهيئات المختصة بالمسرح والفنون في بلادنا أن تتوقف عن هذا العبث، وأن توجه اهتمامها إلى ما ينمي ويحرك ويزيد من قيمة الفن الرابع.
صحيفـة الصبـاح الليبيـة | الثـلاثـاء المـوافـق 1 أغسطـس 2023م