1- لا ريب بأنّ إعادة اكتشاف دستور 1951 والدعوة إلى اتباع نهجه السياسي في حياتنا السياسية كان أمراً غير مألوف بين صفوف العمل المعارض وغير المعارض على حد سواء إذ حدث ذلك خلال مرحلة انبثاق التيارات السياسية الليبية المعارضة لنظام ” العقيد القذافي” في آواخر السبعينات و استمرارها لفترة من الدهر وهي تناضل ضد النظام الليبي المستبد على أمل التخلص منه و من سلطانه الجائر حتى أن بَهُتَ بريقها وأندثرت و انزلقت إلى العتمة ثمّ إلى الغياب الأبدي شأنها شأن أيّ كيان سياسي غبر مكتمل مأله أخوم العواقب.
2- وهي مرحلة – رغم حماسها – اتسمت بالتماهي المطلق مع إيديولوجيات أحادية الجانب ” خلاصية” ذات البعد الواحد ورثتها عن الحركات ” التقدمية” التي سبقتها والتي كانت متناثرة في بعض الدول المجاورة ومزدهرة بين النهرين وفوق الهضاب السورية.. على أن الدستور الليبي – برسم الوعي به – لم يكن من اهتماماتها والأولية ولا من تقاليدها الثقافية ولم يخطر على بالها حتى في احلامها السعيدة الهامشية، بل كان دستور 1951 وفي أوج حراكها السياسي والتنظيمي نسياً منسياً كما أنّه كان محفوظاً مُغيباً في أحد أدراج التاريخ على أنّه تبعاً لتفكيرها الثقافي يُعتبر اسطورة من الأساطير أو كما ستنعته لاحقاً بعض الفصائل المعارضة على أنّه” دستور رجعي لنظام سياسي رجعي وعميل” ويصفه آخرون على أنّه ” حبر على ورق لا نفع منه ” وذلك في غفلة عنه و السخرية منه، وفي غياب الوعي السياسي الناضج غابت مكانة الدستور في بناء ” الدولة” وسقط شأنه العملي في تنظيم شؤون الحياة و بالتالي غابت مرآة البلد المشرقة. إنّ حجم الخسارة أمر لا يطاق.
3- ولأنّ في حياتنا الثقافية مقداراً غير قليل من الأجحاف و الغبن قد يُلحق بتنظيم سياسي مختلف و أشخاص دعاة للدستور ونشر لوائه و الدفاع عنه وذلك خروجاً عن المألوف فقد شرعت التقاليد الثقافية السائدة حينها وحتى بعد ذلك الحين في هوجة من التخبط السياسي المعارض و غير المعارض مما أظهر تجاهلاً لأهمية أحياء دستور 1951 من قِبل هولاء الدعاة و السير على نهجه بأعتباره أساس بناء الدولة، و الحال هذا فكان أنْ دشنت المعارضة الليبية التمسك بالجهل و بكامل غياب الوعي بالدستورومن ثمّة غياب الذاكرة السياسة فيما يتعلق بهذا الدستور و علاقته بممارسة العمل السياسي.
4- مع تفاقم الوضع السياسي والأجتماعي في ليبيا كانت الساحة الليبية السياسية خارج ليبيا في آواخر السبعينات وبداية الثمانينات بدأت تظهر فيها تيارات وفصائل معارضة تدعو لمعارضة النظام الليبي تشكلت كحركات وجبهات سياسية تنوعت مشاربها الفكرية والنضالية والتي كانت تتراوح بين المذاهب السياسية المختلفة التي كانت تتسم بأنماط الإيديولوجيات العقائدية والحركات الدينية والروابط الفئوية والمناطقية والنعرات القومية ذات العصبيات المنغلقة على ذاتها، بمعنى آخر أنها كانت تعود إلى مجتمع ما قبل الدولة ” الحديثة ” من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار رغم استنفار جهودها لإستقطاب الدعم من كل جانب والذي حسب أهدافها ومفاصدها ومشروعاتها كان لمصلحة الوطن والمواطن الليبي.
5- على أنْ نهج مخالف وغير مُتوقع وفي مواجهة لهذا الإنحباس العقائدي المؤدلج خرج من ذلك الزخم المجلجل بالأحلام و الشعارات فصيل سياسي ليبي آخر ليقول لنا حينها: مهلاً، ينبغي أولاً أن نضع الحصان أمام العربة وذلك بالتأمل والقراءة الجادة لتاريخ البلاد فالدستور يأتي قبل المذاهب والرؤى السياسية،ونحن الليبيون نمتلك دستور 1951، فلماذا لا نتبع سيرته ونتحد تحت منهجيته،فهو ليس اسطورة من أساطير المهرجانات الفضفاضة او البيانات المتسارعة -على غرار ما يحدث هذه الأيام- ولم يكن مطلباً ايديولوجياً منفصلاً عن الواقع الفعلي للتاريخ الليبي أو كيانه السياسي ولا ينبغي له أنْ يزاح من مجال المعارضة الليبية المزدهرة فصائلها المسلطة كل الضوء وبكل الوعي الأيديوالوجي خارج نطاق أهمية الدستور في بناء الدول و المؤسسات الديمقراطية. ألم يكن والحال هذا إنّ إ الأمر يستدعي مواصلة الجهد في الاتجاه الدستور، أيّ في التمسك بدستور 1951 باعتباره مكسباً حضارياً للشعب؟
6- الشاهد حينها أنْ ظهر فصيل سياسي ليبي معارض له مشروع سياسي دستوري مغاير لجميع الفصائل ولجميع اطروحاتها السياسية والثقافية المعلنة وغير المعلنة علماً بأنّه كان يعي أنّ لكل فصيل هاجس سياسي ينبغي أنْ يُحترم مهما تعددت الاختلافات في الرؤية والأهداف وفي التمسك بصيغتها الخاصة. لقد كانت هذه الدعوة الدستورية وعدا لليبيا كبيراً، لكنها حُوربت بشراسة وبعصبية ولم تلق الدعم المناسب وتعاملت معظم فصائل المعارضة بالا مبالاة سياسية وبغياب ملحوظ للتمحيص والتدقيق وتناولوا رؤية الاتحاد الدستوري بالتجريح والهجوم وإطلاق الأحكام الاعتباطية على النهج الدستوري الذي لم يقرأوه اصلاً، لكن الاتحاد الدستوري الليبي لم يتوقف ولم يكتف بالوقوف عند المحطات السياسية ومطباتها وإنما أستمر في الدعوة ايماناً منه أنّ الحياة الدستورية الجادة أمامه وليست خلفه. وذلك ما حدث فعلياً منذ 42 سنة مضت. فكيف يكون البدء اختياراً للدستور؟ حسناً، في الواقع نحن امام حالة مُتميزة حقاً تتجمع فيها الحياة السياسية وتعيدها إلى التاريخ الليبي بدلاُ من الركض وراء الأيديولوجيات المنتهية الصلاحية.
7- في البدء كان الدستور، أيّ الدعوة السياسية لإعادة النهج الدستوري، دستور 1951 والعودة إلى الشرعية السياسية. ذاك كان يعني إطلاق بيان سياسي اتسم بالتميز ووضوح الأهداف، كانت عباراته حريصة على أن تميز العرض من الجوهر باليسير من الكلمات لا لبس فيها أو غموض أو تشتت، حيث جاء في ذلك البيان التأسيسي (إعلان تأسيس الاتحاد الدستوري الليبي في السابع من اكتوبر 1981):
” بسم الله الرحمن الرحيم.. يُعلن الإتحاد الدستوري الليبي عن تأسيسه استجابة لتطلعات الشعب الليبي ودواعي العمل على إعادة الشرعية الدستورية إلى البلاد وفرض سيادة القانون”، وهي الخطوة الأولى للسير في الطريق الصحيح. ثمّ ماذا؟
8- ثُمّ تأتي الفقرة التالية بعيدا عن اعتلال الرؤية، صادرة عن عمل ذهني وفكري عميق لتقول على الملأ ومن دون مواربة أو تملق بأنّ غاياتنا من هذا الإعلان أنّه يسعى جاداً وقاصداً إلى الإنصاف والعدل مُفتخرا صادقاً بأنْ: ” يجدد البيعة للملك محمد ادريس المهدي السنوسي قائداً تاريخياً لكفاح الشعب الليبي من أجل الإستقلال والوحدة الوطنية ورمزاً للشرعية في البلاد “.. لا ريب ولا غبش ولا مهرجان شعبي مغشوش فهي بيعةٌ كانت من الواضح إنْ وقفنا عندها دونما أي تعصب فكري أو عناد أو غبن لا طائل منه أو مكر ذهني مغلق على ذاته نجد أنها عمل جدير بالتقدير، و إذا تأملنا زمنها سنجد أنّها تمت وانطلقت واضحة لا لبس فيها والحال ذلك ساعة تجديد البيعة أنّ السيد ادريس السنوسي مازال ملكاً حياً يرزق هو بذاته وبهيبته وزعامته الفذة وشخصه الكريم المتواضع، وأنّها أكثر من ذلك ففهي رسالة ردّ اعتبار للسيد رمز البلاد ” و سليل الفاتحين” وذلك أمام الداني والقاصي على الملأ في يوم محدد و تاريخ محدد قرين البيعة ذاتها ؛ و لا يقفز من تلك الفترة التاريخية و يتجاهل كل الموقف الكياتي الوجودي المتقدم ولا يعترف بها كحادثة تاريخية، إلا مكابر جحود متعسف مدخول الضمير لا يعترف بحق الأنسان في الأنجاز التاريخي بل وحقه في الحياة و الحرية والفكر المستقل، فمنطق التاريخ شيء ومنطق التعنت والتجاهل الشخصي شيء آخر، ولكن تلك البيعة ستظل من تراث فكرنا السياسي التحرري ووجب على الفكر الآن أن يعترف بذلك. حينها صرّح الإتحاد الدستوري الليبي مفتخراً: “عاش الملك”. عاش الملك، قالها بشهادة التاريخ في الوقت الذي كان الملك حيّا يعي بما يدور حوله. إنّها بيعة حقة في حقيقة تاريخية في زمنٍ معروف وليست شعاراً تميل به الرياح حيث مالات، إنها الوجه المعنوي والحقيقي في القول: عاش الملك.
9- لم يكتفِ الإعلان بالوقوف عند تجديد البيعة وردّ الإعتبار للسيد ادريس حياً مفعماً بالحيوية والمهابة العالية رغم تقدمه في العمر، بل دعى بكل وضوح وصدق عبر تعبير تاريخي عن التجدّد الواقعي لمبايعة الملك داعياً الجميع و: ” كافة فئات الشعب الليبي إلى الإلتفات حول عاهل البلاد والإنضواء تحت لوائه لإنهاء الحكم غير الشرعي القائم في ليبيا حالياً وإزالة كل الآثار التي ترتبت على اغتصابه للسلطة منذ أول سبتمبر 1969″. إنّه موقف نبيل وجرئ و مسؤول تطلّب من الأتحاد الستوري شجاعة اكبر وأعمق فما كان لا يجرؤ أحد على فعل ذلك حتى من أقرب الناس للملك و المداحين له، ومن الواضح أنّ تلك الدعوة كانت بمثابة مسؤولية تاريخيه تجاه السيد ادريس السنوسي والدفاع عنه بكل السبل المتاحة، غير أننا طمسناها وخذلنا الملك وطفقنا فيما بعد و بعد فبرير نرسل رسائل الأعتذار للسيد الكبير اعتذاراً عن تبجحنا وغرورنا وصفاقتنا وجهلنا المركب إذ كنا ننعته بصفات العمالة والرجعية وهي صفات جائرة كانت تصدر عن عقول وذهنيات جائرة مستبدة، بل وهزنا الطرب فشرعنا نغني له أن يسامحنا ويسامح سوء أفعالنا وبذاءة تخلينا عنه و رداءة تفكيرنا و انغلاق عقولنا.
10- على أنّ قوة الإعلان ايضاً حرصت على أنْ لا يكون فيها تشويهاً ولا تحريفاً وذلك عبر فطنته العملية إذ خاطب الإعلان الشعب: ” ويؤكد الإتحاد الدستوري الليبي على حق الشعب الليبي في إعادة الأمور إلى نصابها ثمّ اختيار شكل الدولة ونظام الحكم الذي يرتضيه بمحض إرادته الحرة عن طريق استفتاء يجري تحت إشراف دولي في خلال فترة مناسبة من عودة الشرعية الدستورية إلى البلاد”.
11- ثمة أمرٌ آخر وفي ذات السياق، لم يقتصر الإتحاد الدستوري على كلّ ذلك، بل توّجهُ بقيمة جوهرية تاريخية ورمز أساسي واصيل في بناء الدولة إذ رفع علم الإستقلال من جديد في سابقة لم يأتِ بها غيره وذلك دفاعاً عن حق الشعب الليبي في الحرية والكرامة.
عموماً يمكن القول:
صدر هذا البيان من مدينة مانشستر بالمملكة المتحدة، حيث أعلن حينها السيد محمد بن غلبون وعدد من أفراد أسرته ومن بينهم الأستاذ المناضل هشام بن غلبون وبعض الأصدقاء والمثقفين وعلى رأسهم الاستاذ المفكر محمد حسين القزيري، عن تأسيس “الاتحاد الدستوري الليبي” في السابع من اكتوبر 1981 الموافق لمناسبة الذكرى الثلاثين لإعلان الدستور الليبي.. فما هي الذرائع الأخرى؟
12- ومن باب استدعاء البعد ” التقدمي ” والبعد الثقافي الأكاديمي المعارض الذي كان يرفض التنوع والاختلاف والأراء والمشاريع السياسية المغايرة لها وبالذات التغير الذي لا يتبع نهجها في اتباع المسميات البراقة ذات الوعود الكبيرة، أفيون التفكير السياسي، على غرار: ” الجبهة “، ” الحركة “، ” التجمع”، ” القوى”، ” الوطنية”، ” الديمقراطية”، “المنظمة”، ولا في اتباع مفردات الوعود الخرافية الفضفاضة على غرار: ” الخلاص”، ” الإنقاذ”، ” التحرير “، ” المرصاد “، ” المنار”، فغريمها السياسي الاتحاد الدستوري الليبي لم يكن في مضمون نهجه الدستوري أية وعود خرافية وتسميات براقة.
13- ومن الطبيعي أن تتعدد ردود الفعل إزاء الاتحاد الدستوري الليبي:
فبينما رحب القليل بهذه المبادرة الدستورية، انتقدها آخرون من عدة جوانب يسارية ويمينية نقداً تعسفياً اديولوجياً متزمتاً وعقائدياً اِقصائي من دون التمحيص الجاد الفكري والسياسي كنعتهم للدعوة بـ ” الرجعية”، فجاءت ردود الفعل على نحو متهور يخلو من التأني والتثبت وأحياناً كانت ردود الفعل قاسية فظة ليس فيما يتعلق بالرؤية ذاتها بل في أصحاب المبادرة شخصياً وكأنهم كانوا يعانون من كره شديد للمؤسس الذي أتى بهذه المبادرة في حين كانوا يجدفون نحو الضفة الخاطئة بكل ما كان في حوزتهم من كثرة المال و الدعم من جهات مختلفة.
14- اختلف السؤال عن التقنيات التعبوبة التقليدية فقد كان الطرح السياسي للاتحاد الدستوري يستنفر ويستلهم التراث الدستوري الليبي بعد الإستقلال، بعد الإعلان تتابعت أدبيات الاتحاد حيث صدر كُتيب في 21 نوفمبر 1081 أي في ذكرى قرار الأمم المتحدة باستقلال ليبيا. لقد استرجع الكُتيب للإذهان أهمية المشروعية الدستورية باعتبارها ” خير ضمان لإعادة خلق المناخ الديمقراطي كبيئة تزهر فيها الحرية للجميع “، وقد اسهب الكتيب في التركيز على أهمية دستور 1951 على إعتبار أنه مجموعة من القواعد التي تحدد في الإنظمة الحرة السطات العامة للبلاد وحقوق الأفراد فيها، وخضوع الدولة للقانون، فهو الأساس الذي تقوم عليه طبيعة النظام السياسي والقانوني للدولة، وهي السند لمراعاة المساواة بين الأفراد واحترام حقوقهم وحرياتهم الفردية وتنمية حقوقهم الاجتماعية والسياسية، وبعبارة أخرى النهج الدستوري يعني سيادة القانون وتعزيز الرقابة القضائية وبناء الدولة على أساس المواطنة لا الرعايا.
15- لم تكن دعوة العودة للشرعية الدستورية والالتزام بالنهج الدستوري من أجل إطلاق الكلمات في الهواء الطلق والتباهي بها اعلامياً أو السفر بها إلى الماضي القديم.. مثلاً نقرأ في كُتيب آخر يخاطب كافة الناس خارج ليبيا وداخلها قائلاً:” في هذه المرة نريد أن نحكي لكم عن دستوركم، ولا تسارعوا برفضه مقدماً، من فضلكم، لإنه فقط قديم، إنّ من يرفض قديمه بالكامل كمن يلعن تاريخه وجدوده ايضاً ؛ فارجعوا اليه قليلاً واقرأوه بتمعن، وفكروا فيما خسرتموه، واحذروا اطلاق الأحكام المسبقة والتسرع فيها”، كلمات كانت تدعي الناس أن تقرأ الدستور وتتدبره وتتفحصه بوعي ومن دون الأحكام المسبقة فهو تأصيل تاريخي للبلاد يمكن البدء به من جديد، طلب قاصد أن نقرأ عن ماهية دستور 1951وعن ميلاده، وعن أهميته، غير أنّه قيل قديماً: ” لا حياة لمن تنادي”.
16- غير أنّ الدعوة السياسية الدستورية من قبل الاتحاد قد قُوبلت منذ البدء، من قِبل معظم الحركات والجبهات الليبية المعارضة بالرفض الإستعلائي والاحكام المسبقة والعماء الأيديولوجي والعقائدي، فقد اعتبرها الكثير على أنّه ” خطوة للوراء ” و اضاف آخرون على أنها دعوة سياسية رجعية تدعو لإحياء دستور ” برجوازي رجعي” – وقد كان كاتب هذه السطور من هؤلاء المتعنطزين فكريا – بل ورأى آخرون أنّها أماني خارجة عن الزمن السياسي السائد آنذاك، فاللحظة كانت لحظة ايديولوجيات، وبالتالي اتباعها أي اتباع النهج الدستوري إنْ هي إلا دعوة تجدف في الإتجاه المعاكس ومسار سياسي قد خرج من توه من كهفٍ تاريخي عتيق وزمن انتهى وتلاشى ولا يستحق عناء الإهتمام به بل ولا حتى مجرد التوقف بذهنية منفتحة لدراسة جدواها ومكامن مقاصدها، ومن المفارقات العجيبة المدهشة سيلتقي جلّ محاربي الدعوة الدستورية للقاء بمدينة لندن عام 2005 من أجل الدعوة إلى إعادة الشرعية الدستورية بزهوٍ وكأنه اكتشاف جديد ما لبث بعد أسابيع أن لبس لباس النسيان واصيب بإعتلال المزاج فقد ارتكز على تحريك الوهم أي خلافاً لما يؤدي اليه الفكر والعقل. وفي الحكم قيل: ” من لم يفكر بالعواقب لم يأمن المصائب “، وعينك ميزانك.
17- دعنا نخلص من استبدادنا ونزعاتنا إلى السيطرة والإقصاء، ودعنا نتأمل ثلاثَ كلماتٍ إنْ ربطت بينها تجدها لا تتزعزع على أنها تتمايز بأكثر من أنها لا تشتبه فيها المعاني، كلمة “الإتحاد”، كلمةٌ مجردة ترتبط بسياقات مختلفة نقبلها على علاتها ونقبل شتى معانيها، كلمة “الدستور”، كلمة مجردة يدركها المرء عملياً بفطرته وقدرته لها القوة الأولى والأساسية في بناء الدول تسليماً بفكرة المبادئ العامة القانونية، “ليبيا”، كلمةٌ و وطنٌ، كلمة حيّة ذات مدلول حيّ، وطنٌ يسع الجميع بمختلف ثقافاته وأعراقه وأقلياته، أليس هذا عجيباً ؟
ثمة كلمات ثلاث ليس فيها غموض وتحمل أكثر من مدلول وفيها تناسق في نظم استخدام الكلمات عقليا وليس اديولوجياً شعاراتياً حماسياً، وليس فيها استخلاصاً لمنفعة ذاتية بل لإبعاد الضرر واجتلاب المنفعة للناس وللوطن، وهي كلمات وضعها الإتحاد الدستوري الليبي التزاماً بضرورة التأني والفحص والتثبت.
فكيف يمكن ربط هذه الكلمات بالعقل والمسؤولية وليس بالغرائز والأدلجة، وما أهمية الضبط في هذا الشأن، فثمة جدلية بين هذه الكلمات ومنها انطلق المطلب الغائب وجاءت على نحو لم تسمعه آذان من قبل ولم يخطر على بال المثقفين السياسيين المعارضين حينها: ” الإتحاد الدستوري الليبي”. فهو اسمٌ نسيج لوحده لفصيل سياسي ليبي تأسس في 7 اكتوبر 1981م هدفه الأسمى تجديد البيعة للملك وإعادة الشرعية الدستورية.
أما الشعار العام للاتحاد الدستوري، ومتابعتي لنهجه النهج الدستوري وأدبياته في مختلف المنابر الإعلامية ومن خلال موقعه الخاص، فإني أستشفه واقرأه على النحو التالي: دواء رذائل السلطة هو الدستور وقيم دولة سيادة القانون، ودواء المأزق الليبي وشروده عن مسار التقدم هو دستور 1951.
في الأخير ليس هناك أفضل من القول: ” يا إلهي ماذا يمكن انْ يفعل العناد بالإنسان؟ “