سرد

شفرة لوتوفاجي (4)

11 سبتمبر.. من أعمال التشكيلي صلاح بالحاج
11 سبتمبر.. من أعمال التشكيلي صلاح بالحاج

الأيام الأولى في مدرسة البوليس كانت بمثابة عذاب يومي له، أقلقه كثيراً النوم على سرير صغير لا يكاد يسعهُ في صالة تجمع العشرات يصلُ صوت شخيرهم أذنيه، وأصوات أخرى مختلفة الألحان تُداعبُ أنفه الحَسّاس فتُذهب النوم عن عينيه.

لم يكن عدد المتدربين كبيراً أغلبهم من المحليين، بَذل جُهداً كبيراً ليبدو ايطالياً، أو على الأقل عدم الاختلاط بهم، فكلمات (أنور) بك الحادة التي تُحذره من الثقة فيهم مازالت في جيناته، زميله الوحيد كان (فيتو) لاعب فريق (المكابي) اوابن (دوخا) من زوجةٍ هربت الى (سيشيليا) مع جارهم الإيطالي ومعها ما غلى ثمنه وخفّ حملهُ من المصوغات.

شخصٌ آخر فرض نفسه عليه فرضاً، كان سميناً، تميل بشرته الى السمرة قليلاً، له وجه دائري بخدين بارزين يتوسط أحداها شامة بارزة، كأنها حبّة فاصوليا سوداء، ضحكته مجلجلة، تكاد تصل فيها شفته العليا أنفه والسفلى تلامس ذقنه! كان مبعث حيوية تَكسرُ جمود المكان وانضباطه الحاد، يكسرهُ بصوته وهو يشدو ليلاً بأغنيته المفضلة: يللي دليل العقل والع بيه…

يُقال إن والده كان (كاربنييري) ترتعد الفرائض عند سماع اسمه، هو من كان وراء دخوله هذا المكان قسراً، فلم يعُد يحتمل أن يشار الى ابنه بكلمة (ارديف) بعد أن كان أترابه ينادونه (قنّيب) وهو أسمٌ أكتسبه صغيراً عندما سرق دجاجة جارهم لكن نقنقتها فضحته وانتهى بهِ الأمر مربوطاً الى نافذة بيتهم ليلة كاملة.

لكن العادات السيئة لا تموت سريعاً، فلم يستطع مقاومة شغفه بخفّة يده، إذ ضُبِطَ ذات يومٍ في الشارع الملاصق للمدرسة وهو يَهمّ بسرقة آلة كاتبة أنزلها زميل له من نافذة المدرسة بربطها بواسطة (شراشيف) الأسِرَّة، منذُ ذلك اليوم غابت ضحكته وصورته عن أسوار مبنى الطوب الأحمر.

في أول يوم إجازة رجع فيها الى البيت، ارتعبت أمّه من رؤيته حليق الرأس، وقد اكتسب وجهه سمرةً لم تعهدها في أبنائها من قبل، ونَحُف جسده، وبرزا خداه وغاب عنهما اللون الوردي الذي يكسوهما عادةً.

لم يعجبها ذلك، وهي التي قد اختارت سِراً شابةً، لم يتجاوز عمرها 15 عاماً، تريدها زوجةً له، اجتمعت فيها كل صفات الجمال التي تبحثُ عنها اكتسبتها من أمّها التركيّة، من جهته وافق عليها الأب، فأبيها يملك أراضٍ شاسعة ملاصقة لهم، يتكلم بلكنة مصرية اكتسبها من هجرته الى مصر عقدين من الزمان.

تلك الليلة، أقنعت الأب بالإسراع بطلب يد (للة) من أبيها فهو من يستطع بحكم قربه من (بالبو) أن يقنعه بنقله كموظف في قصره.

تبسّم حتى كاد أن يضحك، أُعجِبَ بالفكرة أيّما اعجاب، التفتَ نحوها بشيء من اللطف لم تعهده منه منذ زمنٍ بعيد هامساً:

– كيد النسي كيدين…


النسي: النساء

مقالات ذات علاقة

جزء من رواية السرداب

فتحي محمد مسعود

رواية: اليوم العالمي للكباب – 8

حسن أبوقباعة المجبري

صديقي بركاى هامشيمي

المشرف العام

اترك تعليق