1
جميلة في حسنها القمحي دلالٌ، دلالٌ حنطاوي تجلى برائحة عطر عتيق، سمراء تمشي مرحةٌ على مهلٍ وعلى وجهها يرتسم عبير زمنٍ آمن.. ومن حسنها يخجل الحسن ويتمنى وصالها لحظة بلحظة.. عرينها به شممٌ لا يطاله غمّ السنين، ومن نظرة عينها تنشق النجوم راقصةً ويفز منها النهار المليح..
2
خرجت من حوشها ومن زقاقها لزقاق آخر، تمشي بخطوٍ وئيدٍ فيه راحة للعيون المتعبة، ومن الزقاق الأخير إلى شاطئ البحر.. اقتربت من الشاطئ فدنت ودندنت، اباحت للبحر أنْ يحدّثها عن شتات أسراره.. اشعة الشمس تعكس فوق سطح البحر عناقيد من الأصداف والمرجان والحلل واللؤلؤ.. ومرّت الدقائق اللهيفة كأنهن عرائس الأمل..
3
أحست أنّ أمامها يوم جميل.. رذاذ الموج يهفو من فوق وجنتيها حاملاً الشذى المعطر بكفه الراجفة نذير الخضوع.. خلعت حذائها فكشفت عن قدميها للموج فهام به الوجد، صرخت في صمتٍ بليل: ما أقساك يا وجه مليح.. ومع ذلك مشت نحو حقل الموج.. أحست بوشوشة الموج لقدميها، حباتُ رملٍ مشاكسة تلثم أصابعها.. شمرت فستانها حتى ركبتيها، ازداد الموج علواً.. وأشعة الشمس تترنح في لهفةٍ وبهجةٍ..
4
ساعات قليلة مرّت.. قفلت راجعةً للحوش من زقاق لزقاق كغيمة عطر اطلّت مع الشفق.. عائدة إلى بيتها ولم تخلو الأزقة من عابريها، اطلّت من بعيد غمامة تقذفها الرياح الهوج على رؤوس فرسان الظلام..
5
لم تعبأ بكلمة قبيحة واحدة إثر عودتها إلى حوشها، أفرغ فرسان الظلام رياح الغدر والكلمات الطعينة ومفردات المتسكعين، لم تفزع مرّت في شموخ، أكملت المشوار ماشية فوق السحاب تكتب كلماتهم رسماً في الفراغ الهش.. دخلت البيت هادئةً كالحُلم الجميل وكانت السماء مقرورة ضاحكة، ومن جنائن الحوش وظله المخملي التقطت عرف نعناع أخضر وعرف مردقوش أخضر وعرف ريحان أخضر وانتعشت بها شغفاً كانتعاشها بنسيم البحر وتركت الريح تعيث في المضارب الذليلة في ليل فرسانه مذعورة.