الطيوب : متابعة وتصوير / مهنّد سليمان
في إطار تسليط الضوء على أدب السيرة الذاتية وإثارة إشكالياتها المتشعبة أقيمت مساء يوم الإثنين 28 من شهر أغسطس الجاري ببيت محمود بي بالمدينة القديمة طرابلس ندوة حوارية بعنوان (أدب السيرة الذاتية في ليبيا) ضمن فعاليات ليالي المدينة من تقديم وإدارة الباحثة “أمل بن ساسي”، وبمشاركة كل من الشاعر والباحث “خالد درويش“، والشاعر والناقد الدكتور “عبد الحفيظ العابد“، حيث استهل الشاعر “خالد درويش” مشاركته بالتأكيد إلى أن السيرة الذاتية في ليبيا يظل بحث غير مكتمل وغير ناضج فلازال أدب السيرة يتلمس بوادره بيده أنه في المقابل لدينا زخم كبير من كتّاب السيرة الذاتية، وأشار درويش إلى أن الدراسات حول فن السيرة الذاتية تعد قليلة جدا، والكتّاب الليبيون قد أحجم أغلبهم عن كتابة سيرته، وتابع قائلا : لطالما أعرب النقاد والمتابعين للحركة الأدبية الليبية عن شكواهم واستغرابهم حول مرور مايزيد عن الثلاثة عقود من الزمن افتقرت للكثير من الكتابات الأدبية الجادة، ودعم درويش مبحثه بدراستين أكاديميتين الأولى رسالة ماجستير للباحثة “نعيمة العجيلي”، وهي من أوائل الدراسات الأكاديمية في هذا المجال، والثانية رسالة دكتوراة بعنوان (جدلية الذات والمرجعية في سير الأدباء الليبيين) للدكتور “حسن الأشلم”.
وأضاف درويش بالقول : إن بدايات السيرة الذاتية ونشأتها هي جزء من أسئلة دار في ذهن الناقد المعروف “سليمان كشلاف” ولازالت تحاصرنا كأدباء وكتاب ونقاد وباحثين ففي مقالته المنشورة بمجلة الفصول الأربعة يطرح كشلاف تساؤلاته عن قلة أو ندرة توفر السير الذاتية وعن أين هم كتبة المذكرات السياسية باعتبار أن المحصلة تكاد تكون معدومة فالسيرة الذاتية فن شأنه شأن باقي الفنون الأدبية الأخرى يحتاج لتربة خصبة لنمو نماذج ناضجة من هذا اللون الأدبي.
السيرة الذاتية فن للاعتبار
فيما استعرض درويش بعض ما حملته دراسة الباحثة العجيلي المتمثلة في بواكير نشوء فن السيرة الذاتية قديما وحديثا كون أن بذور السيرة الذاتية في الأدب الليبي تعود للرحلات التي قام بها حجاج بيت الله الحرام من متصوفة أو تجار إلى شرق والغرب ومناطق إفريقيا، وفي تلك المعاملات التجارية والقيود وما كتبه الأعلام والسفراء من يوميات لكن لم تُفرد لها أي السيرة كتبا خاصة إنما جاءت ضمن مشاهدات أو تعليقات على الأحداث أو ضمن وصية أو مخطوط، وكتاب اليوميات الليبية لحسن الفقيه حسن هو أول ما وصل إلينا من سير ذاتية، وهو كتاب احتوى بين دفتيه على تاريخ بلد كامل ومدينة بأسرها وسير حكام، ومن مآثره التي تذكر للفقيه أنه أرّخ للحرب الأهلية عام 1832-1835م ما بين يوسف باشا من جهة والثوار بقيادة حفيده من جهة أخرى في حين نجد بأن كتاب (ريّ الغليل) يصف حربا واحدة بين قبيلة وبين إيالة. وفي سياق متصل استشهد درويش بقول للأديب الراحل “خليفة التليسي” الذي يرى بأن السيرة الذاتية تقوم على الفضح والاعتراف بالضعف البشري، ونحن في مجتمعنا لا نعترف بالضعف البشري فقيم ديننا تحضنا على الستر، من جانبه يضيف درويش بالقول : لماذا اقتصر كتابنا الكتابة في الفضح وكشف المستور برغم أن السيرة قد تكون خلاف ذلك فلماذا نطلب من كاتبها أن يكشف الحقائق وأن يُعري نفسه واصفا أخطاءه أو مغامراته العاطفية والجنسية وتساءل درويش مالذي نستفيده كقراء جراء جملة الكشف الشخصي للخبايا ؟ وأكد درويش بأن الغاية من كتابة السيرة هو التأسيس للاعتبار ومعرفة أحوال الزمان والمكان الذي عاشه كاتبها وطريقة نظره للأمور ونظرته للحياة.
فوضى المصطلح
بينما شارك الشاعر والناقد “عبد الحفيظ العابد” بورقة واصفا في توطئته ما سماها بالفوضى في مصطلح السيرة الذاتية لافتا فيها إلى تداخل أشياء أخرى مثل المذكرات والاعتراف واليوميات والتاريخ، داعيا لضرورة وجود بعض الضوابط والشروط لكي تصنف كتابة ما على أنها سيرة ذاتية، وأشار العابد إلى أن الكاتب المتخصص في السيرة الذاتية الفرنسي “فيليب لوجون” يرى بعض الشروط منها أن يكون السرد استيعابيا أو استرجاعيا بعبارة أدق يعتمد على الذاكرة، وأردف العابد : إننا عبر هذا المدخل يمكننا التمييز والتفريق بين السيرة الذاتية والمذكرات فالسيرة الذاتية تنهض على السرد الاستراجعي، وحسب العابد هذه المسألة مهمة جدا فالذاكرة تتعرض دائما للنسيان والاسقاط وما نحوها، أما المذكرات فهي تكتب من خلال توثيق المشاهدات بالإضافة لشرط التطابق بين شخصية المؤلف والسارد والشخصية، وأوضح العابد أن مثل هذه الضوابط قابلة للتغير لكنها شرط أساسي لكتابة السيرة الذاتية من هذا المنطلق، والمنظور الاستراجعي يحيل غالبا على مرحلة الطفولة عندما تكون الطفولة هي بؤرة السيرة الذاتية، وبالتالي كاتب السيرة يرى بأنه يتشكل صوت طفولي.
تداخل التاريخ مع السيرة الذاتية
كما ذكر العابد أنه نظرا للتاريخ تعتبر السيرة الذاتية فنا حديثا لكن البدايات دائما ما تكون موجودة في التاريخ بيد أنها تبقى إرهاصات أولى لا تملك الشكل المكتمل لها لفن السيرة الذاتية ، وأوضح العابد أن بعض الكتاب قاموا بترجمة حيواتهم وسيرهم بأنفسهم لكنها لا تصنف على كونها سيرة ذاتية، وتطرق العابد لعلاقة السيرة الذاتية بالتاريخ مؤكدا بأن التاريخ يتداخل تماما مع السيرة الذاتية فحينما تكون الأحداث التاريخية الكبرى مؤثرة في حياة الفرد فهو حين يعرض حياته سيعرض هذه الأحداث التاريخية، من ناحية أخرى بيّن العابد بأن المذكرات ليس بالضرورة أن تكون متعلقة بحياة كاتبها الشخصية أما اليوميات فهي تتداخل مع السيرة الذاتية إنما ليس لها شكل فني محدد فالذي يكتب يومياته لا يتبع نسقا فنيا معينا وفق هذه الشروط وهذه الضوابط، وواصل العابد توضيحه أن الاعترافات نشأتها كانت دينية بالأساس لاسيما في الدين المسيحي كاعترافات القديس أوغسطين أو الكشف الصوفي وفي الغالب تتعلق بما هو معرفي لدى المتصوفة والمسيحيين، وليس بما هو حياتي معيش، وأكد العابد أن السيرة الذاتية برغم شروطها وضوابطها الفنية لكنها تتصل بالثيمة أو الموضوع مما يجعلها تتسرب إلى أنواع متعددة نحو الرواية والقصيدة عندما تصبح الأنا أو الذات موضوعا عندما تصبح الذات المتلفظة هي نفسها الذات الملفوظة.