قصة

اليد الخفية

نجاة المهدي الحجاجي

من أعمال المصور الفوتوغرافي طه الجواشي
من أعمال المصور الفوتوغرافي طه الجواشي

طوال العطلة الصيفية، يقضي فتيات وفتيان (حي البالاصات) المقابل (لبُرط) سيدي الشعاب فترات العشية في اللعب ب (البشكليطات) التي يملكها أغلب فتيان الحي، أما الفتيات، فكن يُعوّلن على كرم هؤلاء في إعطاءهن (دجيروات).

وكانت دراجات الفتية كلٌ تعبر عن شخصية مالكها ؛ فهذا دراجته جديدة تماماً يزينها بأشرطة مختلفة الألوان ونادراً ما يسمح للفتيات باستخدامها ، وآخر دراجته نصف عمر ، ويسمح لفتيات معينات باستخدامها بعد تردد بسيط ، أما الثالث ، فدراجته شبه جديدة ، يعطيها للفتيات بعد عدة محاولات من قبلهن ، وبعد أن يرمق سعيدة الحظ بنظرة خبيثة ، والرابع ، دراجته قديمة مستهلكة ودائمة المشاكل ، لذا ، فهو شبه مقيم لدى ( السكليستي ) ، وهذا الفتى بالذات كان كريماً إلى أبعد الحدود ، فدراجته مشغولة دائماً ب ( دجيروات ) الفتيات ، فما أن تنتهي إحداهن حتى تستلمها الأخرى ، ويقف صامتاً ينظر لتبادل الفتيات لدراجته وكأنها ليست له . أما من يملك الدراجة الأحدث والأجمل فكان لا يعيرها للفتيات مطلقاً، وكان يزينها بأشرطة جميلة، بل بلغ به الحد أن علق عليها من الأمام راديو (ترانزستور) لسماع الأغاني وخاصة الأجنبية منها وللتميز عن بقية الدراجات!

وهي تقود الدراجة القديمة المستهلكة التي اعطاها لها مالكها بطيب خاطر، قررت الطفلة أن تخرج بالدراجة إلى الطريق العام (شارع   أدريان بلت)، لم يعُد يرضيها الدوران حول حدائق حي البالاصات فقط، عليها أن تجرّب شيئاً جديداً.

سارت بالدراجة فرحة في شارع ادريان بلت، هناك شارع فرعي على اليمين قبل الوصول لأضرحة بنات الوالي التركي، ستدخل منه، ثم تجتاز مدخل الكوبري الذي يؤدي إلى ميناء الشعاب، فمدخل حي البالاصات من الخلف، وستكون مفاجأة لأقرانها الذين لا يستطيعون القيام بها، على الاقل أقرانها من الفتيات.

هواء البحر المنعش يداعب خصلات شعرها وهي تقود الدراجة في الشارع العام وإن كانت تحس ببعض التوتر والخوف.

عند منتصف الطريق تقريباً، شعرت كأن هناك من يجذب ثوبها إلى الخلف ويعيق قيادتها للدراجة بشكل عادي، التفتت للخلف فلم ترَ أحداً، واصلت قيادتها للدراجة، ولكن ذات اليد الخفية لازلت تشد ثوبها للخلف وتجعل الدراجة ثقيلة! أمسكت ثوبها بإحدى يديها و(دومان) الدراجة باليد الأخرى!

بعد هنيهة قصيرة، أصبحت الدراجة ثقيلة جداً، ولم تعد تستطيع مقاومة تلك القوة التي تشد ثوبها إلى الخلف! بل حتى ظهرها بدأ في الانجذاب إلى الخلف وأمست يدها بالكاد تستطيع الوصول ل (الدومان).

فجأة سمعت صوت موتور سيارة كبيرة خلفها ثم صوت كلاكس، التفتت بسرعة وبشكل خاطف، فإذا بالأتوبيس العام خلفها!

–نهار مغبّر، هذا الاتوبيس بطوبته!

قالت ذلك في قرارة نفسها وصوت كلاكس الاتوبيس يزيدها توتراً وغيظاً.

نظرت مرة أخرى إلى الخلف وتحديداً إلى الأعلى حيث يجلس السائق لتقول له ولو بنظرات عينيها أنها في مشكلة، وأنها لا تستطيع الحيدة عن الطريق!

تفاجأت الطفلة بأن سائق الاتوبيس وإلى جانبه يقف اثنان من الركاب غارقون جميعاً في الضحك ويشيرون إليها أن توقفي عن محاولاتك البائسة!

وضعت قدميها على الأرض، سمعت صوت بابي الأتوبيس الأتوماتيكية تُفتح، خرج الراكبان ثم انكبا على فعل شيء ما في العجلة الخلفية للدراجة!

بدأ ثوبها يعود إلى وضعة العادي شيئاً فشيئاً، لم تعد بحاجة إلى الإمساك به، أخذت نفساً عميقة واطمأنت!

التفتت لتشكر الرجلين، فإذا بأحدهما يحمل الدراجة ويضعها على الرصيف، ينظر مباشرة إلى عينيها ويقول لها بلين وحزم معاً:

– الصغار يلعبوا علي المرشبييدي وإن شاء الله الحال يلاقي..

الكبار بس هما اللي يمشوا علي الستاك..

قررت الطفلة العودة من حيث أتت.. وقررت أيضاً ألا تقول لأقرانها ما حدث لها.. فالبعض سيشمت فيها.. وأكثرهم سيضحك عليها..

مقالات ذات علاقة

العـيش مع الذكريـات

رجب الشلطامي

الزواج في زمن الكارونا

حسين نصيب المالكي

معطف

هدى القرقني

اترك تعليق