قصة

عمي والقس الطيب

من أعمال التشكيلي صلاح غيث

لا يأتي القس لزيارة عمي بيد فارغة، دائما يأتي بـ (زوارة) وهي عادة دارجة اثناء الزيارات، يعرف القس جويني عاداتنا وثقافتنا ويحرص دائما أن يحضر شيئا معه ( زوارته) وهي أشياء يأتي بها كلما عاد من إيطاليا. كتب عليها صنع في إيطاليا. يضع كيسه ويقول ممازحا عمي” هذا من الرومي”

كل عيد يأتي لزيارته، ولا يأكل إلا الزميتة والكسكسي، ترافقه الأخوات في العادة. وأحيانا يأتي بطبيب لإجراء كشف طبي لعمي وزوجته.

ذات مرة جاء لزيارة عمي، ولم يجده، أخبرته زوجة عمي ” ميلاد يجز العشب للشياه” سألها أين ” في حوازة خوه” قالت. قاد القس سيارته وبرفقته الأخوات الراهبات، التقاه في الطريق. نزل من السيارة، قبل رأس وكفي عمي” مرحبا بابا” قال القس محييا عمي الذي كان يدفع عربة يدوية مكومة بالعشب.

” دعني أساعدك” قال القس وطلب من الأخت قيادة السيارة والعودة إلى البيت، دفع القس العربة وسار مع طريق (الكونفينو) طريق زراعي بين حدود المزارع، في الطريق أقترح القس على عمي” بابا ميلاد” قال ” ما رأيك بقضاء إجازة في إيطاليا، ليس عليك أن تدفع شيئا، سنذهب معا لزيارة مارتانيللي”

بدا عمي مستغربا، واعتذر عن قبول الدعوة” ستقضي وقتا طيبا هناك، سيسعد مارتانيللي بزيارتك، ستكون مفاجأة له” قال القس وهو يدفع العربة داخل المخزن” شكرا جويني” قال ميلاد ودعاه للدخول.

حين أخبرنا عمي عن عرض القس، سألناه عن سبب رفضه، فأجاب وهو يضحك” ماذا لو تركني هناك؟”

كلما رأينا معاملة القس الحسنة والطيبة لعمي علقنا مازحين “ربما كان القس ابن عم لنا ونحن لا ندري!”

تساءلنا، ونحن نضحك، إن كان يجب أن ندعوه للإسلام، سيمثل هذا إنجازا يحسب لنا!، وتداعت الأفكار الساخرة، وفكرنا، لابد أنه غير مختون. وقلنا: كم مؤلم أن يختن رجل في هذا العمر. وفكرنا بالمثل، إن كان يفكر في ادخالنا المسيحية أفواجا، وهل يترتب عليه تعميدنا، وما هي الكلمات التي يجب أن نقولها؟ هل سنقول” أشهد أن لا إله إلا الله وأن المسيح ابن الله وعبده ورسوله؟! لم تكن لدينا أية فكرة.

لكن القس كان يعطينا درسا عظيما في التواصل الإنساني، بتواضعه ومحبته الكبيرة لعمنا، وأؤكد لكم أنه لم يخطر بباله أن يدعو أي أحد لاعتناق المسيحية، ولولا ذلك السؤال من طرفي عن (ولادة الله) لما فكر حتى في خوض حديث ديني مع من يعده صديقا بل أبا بالمحبة له. كان يؤمن بأن الله، الرب أو يسوع لن يغفرا له إن حاول أن يدعو آخرين لدينه. وأن علاقته بميلاد تمليها عليه إنسانيته، المعاملة التي يحبها الله.

والدين، كما يقال، معاملة.

مقالات ذات علاقة

قصص قيد أنملة

مريم الأحرش

الركلة الأخيرة !!

رجب الشلطامي

الـغـابـة

المشرف العام

اترك تعليق