– هل حضر الطبيب ؟
– نعم .. قال بان العجوز في خطر .. فقد تعرض لجلطة حادة
– جلطة ! من أين أتته ؟
– لا ندري
العجوز الممدد وحيدا، فقد ذهب أولاده وهاجروا إلي بلدان أخري بعد إن ضاقت بهم سبل الحياة في بلدهم وأصبحوا عرضة للمطاردات من قبل أجهزة الأمن الكثيرة، وماتت زوجته منذ فترة. وابنته متزوجة في مدينة ثانية .. كان كل صباح يغادر منزله ويذهب للجلوس في احدي الحدائق العامة يناجي نفسه ويستعيد ذكرياته التي كانت تتلاشي في بعض الأحيان، وعندما يمل يعرج علي احد أقرانه ممن مازال علي صلة بهم فيقضي معه بقية يومه.
كان عزيز النفس يرفض إن يتناول الطعام عند أي كان، حتى لا يحس إن ذلك كان بمثابة حسنة تقدم إليه، فإما إن يذهب لأحد المطاعم الشعبية أو يعود للبيت ليأكل مما تعود طبخه.
– هل اتصلتم بأحد من أقاربه أو أولاده ؟
تساءل الجار الثاني للجار الأول الذي وجده ملقيا علي الأرض في حالة إغماء.
– ذهب ابني ليخبر ابنته .. أولاده بعيدين جدا.. أجاب الرجل
– السلام عليكم .. قال ابن الجار العائد من مهمته ..
– وعليكم السلام .. رد الجميع في صوت واحد ..
– هل أخبرتها ؟ سأل الوالد
– نعم .. يبدو إن ظروفها صعبة هي الأخرى .. وبعد صمت قال:
– اعتقد باني عرفت سبب مرض جارنا العجوز، قال الابن، فقد اخبرني احد السكان بأنه عندما عاد ظهر اليوم وجد مجموعة من المهندسين بمعداتهم يخططون في المنطقة، وعندما سأل احدهم سمعه يقول له بان هناك أمر بتوسيع الشارع، وأنهم في طريقهم لهدم مجموعة من المباني القديمة لهذا الغرض .. وأشار له المهندس علي منزله بأنه سيكون من ضمن المشروع .. وعندما أراد العجوز إن يستفسر أكثر من المهندس الشاب:
– يا ابني إن هذا البيت أخر ما تبقي لي في هذه الدنيا ولا استطيع تركه، وليس سهلا علي إن أعيش متسولا عطف أقاربي أو إن اسكن في بيت المسنين!
أجابه المهندس بحدة:
– يا عمي دعنا نعمل .. علي العموم ستصلكم رسائل قريبا بطلب الإخلاء .. وسيدفع لكم التعويض اللازم ..
ولأنهم ليسوا علي علم بما حدث فقد نظروا لبعضهم في دهشة واستغراب، وسؤال حائر بينهم يطرح نفسه
– معقول هذا ؟!!
بعد شهر من وفاة العجوز, فوجئ سكان الشارع بسيارة يترجل منها بعض الرجال بملابس رسمية يحملون علب ازوقة مضغوطة وهم يكتبون بخطوط متباينة علي حوائط المساكن الممتدة علي طول الشارع .. إزالة للمنفعة العامـــــة ..