قراءات

رحلة في اللامكان

رواية (إباء) للكاتبة يقين الأنقر
رواية (إباء) للكاتبة يقين الأنقر

إلى عمق الذّات، حيث الدّياجير ومواكب الموت المحمّلة بأبواق الخيبة والانعزال، حيث مرافئ الصّمت وضباب الضّياع، حيث لا أحد فقط صوت أنفاسك.

الحياة رحلة معقدة وغامضة، مليئة بالأفراح والنجاحات، الأحزان والإخفاقات، الارتفاعات والانخفاضات. نحن جميعًا في مسارات فردية يسوقها لنا القدر، لكننا مرتبطون أيضًا في تجاربنا المشتركة في الحياة. يمكننا التعلم من قصص بعضنا البعض واكتساب نظرة تغيّر عدسة رؤيتنا، مغدقة بالتحديات التي يمكن أن تساعدنا على النمو كأفراد إذا اخترنا احتضانها. في النهاية الحياة هي -ما نصنعه منها – الأمر متروك لنا لإيجاد معنى فيها والاستفادة القصوى من كل لحظة.

رواية “إباء” للكاتبة يقين الأنقر أول قراءاتي لهذه السّنة، وأستطيع القول بلهجة واثقة أن هذه الرواية بالأخص أعادت لي شغف القراءة الذي فقدته منذ فترة، بثت داخلي لهفة وشراهة إكمال الصفحات وإعادتها مرارًا وتكرارًا، دون كلل أو ملل، شعرت أني لم أقرأ رواية كهذه منذ بعيد، استطاعت الكاتبة بجمال وسلاسة لغتها ومفرداتها إرغامي على إنهاء قراءتها في وقت قياسي -رغم ازدحام جدول حياتي – منذ العتبات الأولى للنص شعرت بأني أقرأ لكاتبة متمكنة من فرشاتها وتضرب بها في لوحتها؛ لتخرج لنا غرينكا العصر، لغة رائعة وتشبيهات غاية في الروعة وكأنها جمعت كل الجمال الذي في الحياة وتركته في قلب الرواية، وكما قيل ما الأدب إلا ذكاء التشبيه، الوصف الدقيق والمتمكن جعلني أحس كأني ملاك يحيط بإباء من فوق رأسها يرى كل ما يحدث في حياتها من لقاءات، أفراح، أحزان، خسائر، وانهزامات، إباء تلك الفتاة التائهة أو “الدّودة” كما تصف نفسها، الفتاة التي تشعر بأنها وحيدة رغم المجتمع المنغمسة فيه، الفتاة التي لم يعرها والداها الحب أو الاهتمام الكافيين لتخطّي ما تمر به، إباء الزهرة اليافعة في أوج شبابها أغارت عليها الحياة فأسقطت بتالتها، شيئًا فشيئًا فأصبحت لا تقوى على مواجهة زئيرها وباتت تتراقص معها يمنة ويسرةً، حتى ذبلت وشعرت بأن حياتها انتهت بينما تعانق تلك التربة المختلطة بقطرات النّدى. فجأة وعلى حين غرّة تدخل حياتها سارة الفتاة المرحة والبهيّة تحمل عبق الحب والانشراح من أصول كندية، لتصبحا أعز صدقتين. وتمضي مقلبًا الصفحّات بين الصّراعات النّفسية والأحداث الحابسة للأنفاس، لامست القصة شغاف قلبي وقبعت روحي في صندوق الإنسانية الجريحة، والقروح الغائرة التي لا تندمل، صراحةً توقّعتُ النهاية ولكن رغم توقّعي كانت أكثر جزءٍ أثار مشاعري أثناء القراءة. نهاية مأساوية منطقية متناسبة مع مجرى الأحداث.

يمكن أن تكون الحياة صعبة. نواجه جميعًا صراعات ومصاعب قد تبدو عصية على الحل في بعض الأحيان، من الصعب العثور على القوة والشجاعة للاستمرار، خاصة عندما نشعر أن العالم بأجمعه يقف ضدنا. بأن أحزان النّاس كلها تكدست فوق قلوبنا، بأن الهواء اختفى وأصبح التنفس مستحيلًا، يجب أن نتذكر أن الحياة مليئة بالتقلبات، وأنه حتى في أحلك لحظاتنا، لا يزال هناك أمل في غد أكثر إشراقًا. يجب ألا نتخلى أبدًا عن أنفسنا أو أحلامنا، بغض النظر عن مدى كآبة الموقف. بالمثابرة والتصميم، يمكننا التغلب على أي عقبة ونجد الفرح في الحياة مرة أخرى.

مقالات ذات علاقة

متعة أن تقرأ قصة

المشرف العام

الرقم الإشـاري للنص الألفيني

صلاح عجينة

روايات ليبية تتحدى رحى الحرب

المشرف العام

اترك تعليق