النقد

ما الذي يميز رواية “إيشي” لعائشة الأصفر؟

د. علي برهانة

رواية إيشي للروائية عائشة الأصفر
رواية إيشي للروائية عائشة الأصفر

 لقد قدم الاستاذ عبد الحكيم المالكي قراءة لهذه الرواية كانت وافية كافية، ولا أحسبني سآتي بجديد بعده، وهو من هو في هذا المجال، ولكني سأكتفي بحديث موجز عن مكونين أساسين في هذه الرواية، وفي رواية (اغتصاب محظية) التي صدرت قبلها لنفس الكاتبة، هذان المكونان يعدان من التقنيات العصية او غير السهلة في الكتابة الروائية بصورة عامة. أحد هذين المكونين هو أن هذه الرواية في مجملها (مشهد) روائي، والثاني ان هذه الرواية بصفحاتها التي تجاوزت الثلثمائة بقليل كانت كلها في زمن يستغرق تقريبا ست إلى ثمان ساعات من أحد الأيام وهو زمن الرحلة في الحافلة بين طرابلس وسبها.

وهنا تكمن الصعوبة في التعاطي مع مادة الرواية الغنية جدا، إن القراء لابد عندما يعلمون ذلك سيتذكرون الروائي الأيرلندي الشهير (جيمس جويس) لأنه كان أول من عرف بهذه التقنية في روايته المعروفة (يوليسيس)التي قدمت مادة استغرقت أحداثا وأزمانا اي عالما روائيا منذ “اوديسة هوميروس” إلى زمن كتابتها، كل ذلك من خلال ذاكرة مواطن إيرلندي في يوم واحد.

ماذا نجد في رواية (ايشي)؟لقاء بين شاب من سبها (حبيب) وخادمتهم الأثيوبية السابقة (ايشي) هو يشتغل في الحافلة وهي راكبة متوجهه من طرابلس إلى “مرزق”، ومن خلال فرحة اللقاء وحديث الذكريات تستدعي الرواية عوالم محلية، واقليمية، وعالمية، وتاريخية قديمة جدا ضاربة في أعماق التاريخ، وجغرافيا مترامية الأطراف تستغرق فضاءات محلية ،بنغازي  وطرابلس، وسبها وهذه تحظى بالحضور الأغنى بالتفصيل الذي يقدم ما في هذه المدينة من تنوع وخصوصية تجمع بين الجميل والقبيح، والسوي والمشوه، والحقيقي والعجائبي، الذي يتكيء على ذاكرة إحدى الشخصيات (الجد) الذي ناله داء الزهايمر ليتخذ مشروعيته من خلالها، بالإضافة إلى فضاءات أفريقية متباعدة من اثيوبيا (تنغراي) إلى السودان إلى مرزق إلى (كانم) في تشاد، كل ذلك ينتظمه التاريخ القديم، والحديث، والجمع بين الممارسات اليومية النسائية الحميمة جدا، وبين الممارسات القذرة، البغاء، واللواط، والتهريب، والتعاون، والتباغظ، إلى جانب الحضور المسلح وما يترتب عليه من ممارسات تجمع بين الرعب والتغول، والتناظر الذي يقدم التوازن المسلح، السلاح في مواجهة بعضه بعضا، هذا كله يستدعي شخصيات تاريخية، واسطورية، وواقعية، حديثة، وأزمنة متباعدة، ومتقاربة، دون الشعور بما بين هذه الأزمنة والفضاءات المكانية من غرابة او تباعد لأنها تأتي في سياق يتصل بالشخصيات الروائية (ايشي واحبيب) ومن يتصل بهم او له علاقة بهم (اهلا، واصدقاء، ومستخدمين، وجيرانا، واعداء، وذوي علاقات وتبادلات، من مستويات مختلفة.

كل ذلك يجعل هذه الرواية نصا أدبيا مختلفا ومتميزا في عرضه وتقديمه، كما سبق أن رأينا في رواية (اغتصاب محظية) لنفس الكاتبة، التي قدمت عوالم من التاريخ، والجغرافيا، والواقع والعجائبية (الفانتازيا) من خلال ذاكرة شخصية روائية (زايد) عندما تعرض لحادث تفجير وظل معلقا من حزام سرواله في شرفة المكان لمدة ساعة او اقل كانت هي زمن الرواية.

أظن ان هذه التقنية من الصعوبة بمكان ولا أحسب ان في مقدور أي كان ان يقدم عليها.

مقالات ذات علاقة

الروائي الليبي “إبراهيم الكُوني”.. في رواية (التِّبْر)

المشرف العام

القصيدة الأكثر نقاءً

ناصر سالم المقرحي

“ليبي تشيو” بطل رواية (الكلبُ الذهبي)

يونس شعبان الفنادي

اترك تعليق