الطيوب : متابعة وتصوير / مهنّد سليمان
أقام الصالون الثقافي بفضاء محمود بي بالمدينة القديمة طرابلس ضمن فعاليات ليالي المدينة الموسم الرمضاني لعام 2023م حلقة نقاش حول قضية السرد الشعبي أدارتها وقدمتها الكاتبة الصحفية “فتحية الجديدي“، وذلك مساء يوم الإثنين 10 من شهر إبريل الجاري بمشاركة ثلة من الكتاب والمهتمين وهم : الدكتور “حسن الأشلم”، والشاعر والكاتب “عبد الحكيم كشاد”، والقاص والروائي “إبراهيم الإمام”، من جانبه تحدث الدكتور الأشلم أستاذ النقد الأدبي بجامعة مصراتة عن التصنيف الأجناسي للموروثات السردية فالحديث عن أدب السيرة والحكاية أو ما اصطلح على تسميته بالخرافة، وأشار الدكتور الأشلم إلى أن المتعارف عليه أن السيرة أو السرديات الحكائية الشعبية قد ظلت لفترة طويلة أدبا غير معترف به من قبل المؤسسة النقدية والأجناسية فحتى في الموروث الثقافي اختزل في كتب الأخبار والنوادر والأحاديث بينما لم يترقي لمستوى الشعر والخطابة، وأوضح الدكتور الأشلم أن الحكايات والنوادر التي نقلت في كتب أبي حيان أو في العقد الفريد والجاحظ لم يتم نقلها كسرديات شفهية محكية إنما نقلت أيضا مُفصّحة أو إلى اللغة الفصحي، ويعتقد الدكتور الأشلم أن الاعتراف الرسمي بالسرديات في الآداب الغربية تأخر كثيرا في مقابل الحديث عن الملحمة والخطابة والمسرحية، لافتا إلى أن الحديث عن السيرة والحكاية الشعبية في الآداب العربية يزدادا تعقيدا بشكل أكبر كون أن مسألة الاعتراف به محل نظر وجدل.
تراجع الدور الشفاهي في الحكاية الشعبية
ويرى الدكتور الأشلم مسألة العلاقة بين اللهجة والفصحى فضلا عن الشفاهية والكتابية مثلت هاجسا كبيرا، مضيفا بأن الحديث عن الشفاهية والكتابية يثير الكثير من التساؤلات لأن المتعارف عليه أن الحكاية الشعبية تستمد حيويتها من الشفاهية ذاتها وهذه الأخيرة هي التي تعطي الحكاية القدرة على مواكبة التحولات الزمانية والثقافية والاجتماعية علاوة على مقام الراوي الذي يعطي للحكاية قدرة على التجدد حسب مقام الرواية، وحسب النفسية مما يمنح الحكاية حيوية أكثر، وأردف الدكتور الأشلم قائلا : إن ما شغلني في مرحلة معينة هي مرحلة تراجع الشفاهية في الحكاية بسبب تراجع مقام الراوي ويتراجع دوره الاجتماعي ما استدعى اللجوء والذهاب نحو الكتابي، وجاءت الاشكالية في كيفية التعامل الشفاهي والكتابي مع الحكاية الشعبية، وأكد الدكتور الأشلم أن الكتابة قيد وتقييد نص شفاهي في لحظة تاريخية معينة هو بقدر حفاظه مع الموروث الشعبي الشفاهي وإنقاذ ما يمكن اللحاق به هو كذلك يحمل في طياته الكثير من المخاطر.
التراث الحكائي بغدامس
بدوره أضاف القاص والروائي “إبراهيم الإمام” في سياق مشاركته أنه كثيرا ما نحن إلى حكايا الجدات قبل النوم في الليالي الشتائية فهي جزء مهم من طفولتنا ساعدت في تنمية تكويننا الثقافي، وتابع بالقول : لقد برعت الجدات في غرس الكثير من القيم والمفاهيم من خلال هذا السرد القصصي، فلكل أمة تراثها الحكائي الذي تتوارثه جيلا بعد جيل، ويختلف هذا الموروث من بلد لآخر تبعا للبيئة والثقافة والمكوّن الاجتماعي لأفراد المجتمع، وأبان الإمام بأن التراث الحكائي يتوزع على فروع الحكي المختلفة من نكات وطرائف وحكايات وخراريف وأساطير وسير شعبية، كما تطرق الإمام إلى أن الجانب البحثي خاصته سيركز على الأسطورة في التراث الحكائي بغدامس مؤكدا أن البشرية في بحثها الطويل عن المعرفة اضطرت لوضع أساطير لتفسير الغموض الذي يصاحب الكثير من الظواهر المتكررة في حياتها اليومية، وصاحب هذه الأساطير تقاليد أخرى للتقرب لهذه الآلهة ووضعوا طقوسا لتقديم القرابين لها، موضحا أن بعض الشعوب تشترك في هذا المكون الحكائي المتمثل في الأسطورة فقد يكون للأسطورة أكثر من صورة تروى بها تختلف باختلاف البيئة واحيانا تتغير أسماء الأبطال والأماكن لتتكيف مع عالم الراوي.
السيرة المستبدة
فيما أشار الشاعر والكاتب “عبد الحكيم كشاد” الذي قرأت ورقته بالنيابة عنه الكاتبة الصحفية “فتحية الجديدي” إلى ما أسماها السيرة المستبدة باعتبارها كتاب يتلاشى في الأصل ويحقق نموا شعبيا بين مجتمعات مختلفة حتى صار فلكلورا عالميا تحول فيه عالم القص بأجوائه السحرية الشرقية لنكوز تمتح منها الفنون العالمية سينمائيا وموسيقيا وأدبيا، موضحا أنه لا يمكن للصدق في أدق تفاصيله المحلية إلا أن تتسع دوائره خاصة عندما يكون في مكانة وثيقة شعبية اجتماعية تنعكس عليها حياة، وطقوس مجتمعات بأكلمها بخلاف هذه الحكايات التي يضمها كتاب (ألف ليلة وليلة)، لافتا أن الملفت في كل السير كونها تنطلق من قاعدة شعبية أساسا ورغم تدوينها كتابيا فيما بعد بقيت لها وجهتان وِجهة تاريخية، وأخرى شعبية وهس الحكاية المتداولة من جيل إلى جيل عبر مئات السنين، مؤكدا بأن هذه القضية تقودنا نحو السؤال المحتمل هنا في كل هذه السير وهي ظاهرة البطل الفرد وحالة الاستبداد من السيرة، ودلالتها النفسية الحية، وأردف : وهذا السؤال يفتح الباب على كل السير الشعبية من الظاهرية في الظاهر بيبرس إلى الهلالية في أبي زيد الهلالي، وبيّن كشاد في ورقته أن ثقافتنا تركز وتعتني بالعمل البطولي الفردي لا الجماعي المؤسساتي مع أنه مطلبنا فسيرنا الشعبية تمارس تكريسا لمفهووم الاستبداد الشرقي لتصبح شخصية الحكواتي هي المحرك، والحكواتي ارتبط بالسير وظل بصوته بدل أصابعه يحرك فصول الرواية ليتحول إلى سادن خيال بامتياز.