من أعمال الفنان التشكيلي علي الزويك
النقد

“ليبي تشيو” بطل رواية (الكلبُ الذهبي)

شرّفني الأستاذُ والأديب الكبير منصور بوشناف بإرساله مخطوط روايته الجديدة التي اختار لها عنوان (الكلبُ الذهبي) طالباً مني قراءتها وتسجيل ملاحظاتي عنها !!! وهذا بلا شك تواضع كبير من أديب كبير سجل حضوره الإبداعي مسرحياً وفنياً، وأسهم مؤخراً في المشهد الروائي الليبي بإصداره روايته الأولى (العلكة) التي ترجمت إلى عدة لغات من بينها الانجليزية حيث وزعتها إدارة محطات القطارات البريطانية لتكون ضمن الكتب التي توضع في صالات انتظار الركاب لتنال نصيبها من مطالعات القراء المنتظرين والمسافرين.

من أعمال التشكيلي عادل الفورتية
من أعمال التشكيلي عادل الفورتية

قبل أن أستهل قراءة رواية (الكلبُ الذهبي) للأستاذ منصور بوشناف أعادني عنوانها إلى عوالم رواية (تحولات الجحش الذهبي) كما سمّاها الدكتور الراحل علي فهمي خشيم في ترجمته، بينما سمّاها مترجمون آخرون (الحمار الذهبي) تلك الحكاية اللاتينية التي يتحول فيها بطلها (لوكيوس أبوليوس) من إنسان إلى حمار بدلاً من طير كما كان يتمنى، وظل يسجل أحداثاً كوميدية ومواقف هزلية ومعاناة طويلة حتى عاد بعدها إلى حياته الإنسانية مجدداً بفضل الآلهة كما سجل الكاتب.
ذاك البطل الحمار/الجحش لم يتكرر أو يستنسخ في (الكلبُ الذهبي) لأن المؤلف منصور بوشناف يقول على لسان الرواي في عمله الروائي الجديد (إنني ممتليء بالمسخ إذن، وذلك أمر ممتاز بالنسبة لقصتي التي أكتب. المشكلة ستكون في حيلتي القصصية “أن يكون بطلي كلباً يُمسخ بشراً” إن ذلك سيكلفني الكثير من الحذلقة والتصنع، وسيفقدني مهاميز التعاطف والبكاء والتطهّر، فثمة كلب يتسامى انساناً، ذلك “قصّ” تعليمي تربوي تبشيري لا أفضّله…)، ويتأسس هذا القول/الاعتراف على مفهوم الراوي لفعل ومعنى المسخ عند الليبيين كما تمثله وتتناوله قبائل ورفلة حول “أهل قرزة” الذين سخطهم الله بسبب زواج حاكمهم من ابنته الكبرى كما تقول الأسطورة التاريخية المتداولة.
وحول العلاقة مع الكلاب في إشارة إلى تسمية الرواية يوضح الراوي وربما بما يتوافق مع رأي الأستاذ منصور بوشناف نفسه (الكلابُ، كما يقول البعض، كانت بالنسبة لليبيين القدماء رمزاً للخصوبة والقدرات الجنسية العالية. فهي القادرة على الاستمرار في ممارسة الجنس لساعات طويلة دونما توقف. كان ذلك، ولا يزال، يحدث في قراهم وبواديهم وحتى مدنهم، أمام أعينهم. يرجمونها بالحجارة ولا تتوقف. يطردونها بعيداً عن مساكنهم حياءً وحفاظاً على الآداب العامة..)
وقد اختار منصور بوشناف اسماً تاريخياً غير معاصر لبطل روايته (الكلب الذهبي) وهو “ليبيتشيو” الذي يقدمه لنا منذ الصفحات الأولى متبوعاً بصفة العجيب، ومؤكداً أنه وبطله قد وقعا في الحب وهما في الطريق إلى طرابلس، وهو بهذا الاختيار الدلالي يعيدنا إلى عصور تاريخية قديمة مع بعض الاسقاطات ذات العلاقة بالراهن الليبي، ربما بداية من الاسم الذي أطلقه على بطله حيث يتبين عند تشطيره أنه يتكون من كلمتين “ليبي” و”تشيو” للإشارة إلى ليبيّة الرواية فكراً وفضاء مكانياً وزمنياً وليس بطولة فحسب.
وفي محاولة لمزيد التوضيح وتذليل الصعوبات أمام القاريء نجد الكاتب/منصور بوشناف يفصح على لسان الراوي/السارد عن قصة روايته (الكلبُ الذهبي) فيقول (.. لن تكون لحظاتُ التحوّلِ هامةً في قصتي. إنها تحدث هكذا: كلب في أحضان امرأة يتحول إلى رجل، إلى انسان مثلنا، ثم إلى زوج لتلك المرأة، إلى رجل، ولكن ذلك لن يجعل من قصتي إلاّ خرافة عجائز مثيرة للشفقة والتعاطف الساذجين.)
إن هذه الجرعة من التمهيد والتبسيط التي يقدمها لنا الأستاذ منصور لروايته تجعلنا أكثر التصاقاً به وقرباً منه فكراً وموضوعاً، كما ترفع مستوى الجاذبية نحوها وتزيد من شغفنا لمواصلة القراءة ومحاولة التحاور مع الرواية وعناصرها ومؤلفها وبطلها الذي يتواصل معنا من خلال “ليبيتشيو” العجيب.
كما يستدرجنا الكاتب/الراوي بكل براعة وأريحية للولوج لعالم رواية (الكلبُ الذهبي) حين يخاطبنا بأسلوب مشوّق ورقيق، استهله بمواجهتنا بسؤال استرجاعي لحديثه السابق مستدركاً:
(هل قلتُ الايطالية؟
نعم ذلك حسنٌ جداً، المرأة ايطالية، أرملة ايطالية، قُتل عريسها بعد شهر عسلها القصير في الحرب العالمية الثانية. قتله الليبيون بعد دخول الإنجليز إلى طرابلس لتظل وحيدة، وتلقى معاملة طيبة من حكومة المملكة الليبية المتحدة، وتحافظ على بيتها ومزرعتها الواقعة في ضاحية طرابلس الجنوبية.
إنني أتقدم بشكل جيد، والقصة تتفتح …)
أمام هذه الديناميكية الحوارية الدافئة لا يمكن إلاّ التأكيد على أن رواية (الكلب الذهبي) قد بدأت تتشكل شخوصها أمامنا وقصة حكايتها تتهادى إلى أذهاننا بكل ما نسجه المؤلف الأديب الكبير منصور بوشناف من أحداث تتماوج بين التخيلي الافتراضي والواقعي المعاش تاركاً لنا براحاً كبيراً للتفاعل مع نصه الروائي الجميل.
لن أضيف المزيد عن هذا العمل الروائي حتى لا أفقده خصوصية جاذبيته ولكني أسجل تقديري وشكري للأديب الكبير منصور بوشناف على ثقته متنمياً له المزيد من التألق الابداعي ولروايته الجديدة (الكلبُ الذهبي) حصد الكثير من القراء والانتشار العربي والعالمي.

مقالات ذات علاقة

قراءة انطباعية في رواية الرداء الأسود

عائشة إبراهيم

البناء النصّي في شعر عبدالمنعم المحجوب (9) .. فاعلية بناء الإيقاع المعنوي

المشرف العام

«صندوق الرمل».. مرآة متصدعة لحقيقة البشر

المشرف العام

اترك تعليق