الذكرى الأولى لوفاة الشاعر الليبي إدريس ابن الطيب
يبلغ المرء في أخر الليل غربته
حيث ينكره الكل،
لا يستقيم له الودّ
لا وطن يجتبيه لأوجاعه،
غير هذا الدم المتوثب للانسفاح،
ولا زهرة أفلتت من رياح السموم
ليزرعها في ابتسامات أطفاله ذات يوم
لا نجوماً ولا قمراً
لا ارتياحاً ولا غضباً،
لا بكاءً ولا طرباً،
غير جمعٍ من التائهين
يمارس كينونة العمر كل صباح
على حدة،
ليعوّد أحلامه البحث عن كوةٍ للتنفس،
أنتِ فتاتي التي أتجول مصطحباً جرحها في شوارع روما
أنام على أنّةٍ في انكسارتها حين تركع راجفة في إباء،
يقول على فمها قائل: إنها اتجهت للحياة انتحاراً،
فأسمع، ثم أرى.. أتفكر،
ماذا تقولين أنت؟
أنصتُ، أمسكُ نبضات قلبي،
لاشيء،
أعلم أنك لا تستطيعين حتى الكلام،
وأن انكسار الركوع مهين،
ونحن الذين يؤرقنا الصحو،
نذوي على حافة الإنفجار،
ونطلب من ليبيا أن تهدي من روعها قبل أن يتملكنا
دمها في الشوارع،
تؤدي لوجه بلادي كل الطرق،
تركت هناك أمانة قلبي “لعينيك”
كل الرفاق الذين قُتِلنا معاً،
ملّ من دمنا الموت،
لكنه حين جاء قتلناه،
رفاقي جراح البلاد جواهرها،
ينزفون ويبتسمون،
وتنهشهم كل يوم قصائدهم وحليب الصغار،
فيعتذرون إلى الشعر حين يكون عليهم مطاردة الخبز،
يتكئون على حملهم في الصباح
لكي يبدءوا ما يشابه يوماً جديداً
أنا هاهنا أتلمس إنهاكهم
ومشاريع بسماتهم حينما تختفي كالفقاعات،
لكنهم – رغم أفق بليد –
يصرون على جذر أسنانهم
ثم يبتسمون.
طرابلس 25/8/1995.