رمضان زيدان | مصر
حينما استقبلتُ عمري
ضج في القلب الأسى
وقتها ما كنتُ أدري
وجه صبحٍ أو مَسا
وكسا وجه الضبابِ
وعلى بابي رسا
قد بدا منه عذابي
في دُجى المر احتسى
خطو آلامي تبارى
نحو قلبي ما نسى
جاء في ثوبِ انتكاسٍ
وعلى الغض قسا
قال إن اليوم يومك
وغداً آتٍ عسى
حُزن أيامي توالي
والثرى بَعدُ اكتسى
قد فقدت دثار ظهري
واستلمت وجوم قدري
لوعةً تزجي عواصفَ
بدّلت لي موقعي
رضيعٌ تنهد زفرات حَرى
تبث نحيباً
ولم تلق في الحي أدنى مُجيب
ولو أي مارٍ قريب يجيب
على صرخة للبريء القشيب
لم يدرِ ماذا له قد حدث
فراقٌ وموتٌ ميلادٌ ويُتمٌ
ضجيجٌ عويلٌ هو لم يعي
دموع العناء غشاها الرثاء
بوجه الغيوم فـ تاه البكاء
يعج زحاماً آلاماً قتاماً
وبين الثنايا توارى البلاء
وصاح المنادي وظل ينادي
كأن امتزاج الصراخ نعاني
وبالدمع خط كلاماً رثاني
أيا راحلاً قد عزمتَ الرحيل
وألقيتَ بي جُبَّ ليلٍ طويل
فغادرتَ عني وباغتني
فماذا لو عشتَ وقتاً معي
لباعدت بيني وبين الألم
وأبعدت عني جراحاً مَقيتة
عطفاً كذوباً
وإشفاقَ زيفٍ لمن يدعي
مثاليةً يدعيها الدعي
مشخصاتي على مسرحٍ
تقمّص دوراً
كبيراً كثيراً على مثلهِ
عَبْرَ التظاهر بين الحشودِ
نزل بأرضٍ من رحلِهِ
يوزّع فخراً
رياءً وباءً على شكلهِ
وقد جَمَّلَ
سُدىً جَوّدَ
مزيداً عديداً في وصلهِ
ليبدو خلوقاً
بلا مضمونٍ لأخلاقه
يؤذي مِراراً
وأفضى مَراراً بإحسانه
ويتبع بالمنّ إنفاقه
فلا بقي ولا بقيت له
مزايا تنقب لها عن رجال
وأسهبَ زوراً
غدراً وجورا
بتلفيقه افكَه المستديم
فصار معيناً ومدّاً ظهير
لكل ضلالٍ وفكرٍ عقيم
يحيك التآمر خبثُ اللئيم
ومن بين منقوع سُمّ الحديث
أطل علينا بلدغٍ حثيث
أطل بقبحٍ مرائي يعيث
فساداً تمادى ردي الورى
ثرثار قولٍ بقلبٍ ضريرٍ
وشرير قوم نديم الشرى
يحيكُ بالـخَلق جمّ الأذى
مؤذي مكابر وغدٌ عدي
مَهينٌ فريٌ بوجهٍ ذميم
يعكس ما بين نبض الوتين
سواداً وبغضاً وحقداً عليّ
ومن بالحنق أفاض الغبيّ
ومن بالرعونة سار سفيهاً
ينم بِشرِ الوشاة البغاة
فقام بدورٍ خسيسٍ وشيّ
ربيب الخَبَثْ
يفوح من أضلعيه الرّوث
وكم من تشدق متنطعا
حسبك هذا لطيمٌ يتيم
أفاض الزنيم أسى لوعةٍ
خلِيّ الشعور أطل العديم
يبث زعافاً لقرح الجراح
وقد سال بحرٌ من الأدمعِ
شردت بذهني شردت بعيدا
وكان التشرد همّاً شديدا
أجاء بوعدٍ يسوق الوعيدا
يخيم صمتٌ عليَّ مديدا
وصوت تحشرج في منتهاه
كأن الحياة سئمت خُطاه
فسار وحار مليّاً شجا
على كل أرضٍ كساها الدُجى
فوحدي توحّدت قُدماً أسير
وظل كياني حسيراً كسير
لكني من أجل بُعد البقاء
طرحتُ عن كاهلي العناء
لآخذَ نفساً عميقاً.. عميقا
حتى أواصل درب المسير
إلى ما يقود إليه المصير
تحطُّ الرحالُ ويهدا النفير
وطيفك في كل حين معي
لأنسج فيكَ البيان العظيما
وأرسم وجه المُحيا وسيما
شجاعة مروءة مهابة وقيمة
تظل تمدُّ ظلالاً عليَّ
وفي كل حين تطل نديّا
كطاقة نورٍ بليلٍ سديمٍ
تمنيت لو كنتَ فيها معي
ليزهر غرسك فوق الثرى
وتسقيه من خير فيضٍ جرى
وترياق نبعٍ ثري سرى
ومن خطوك المنظوم السوي
تجلّى طلوعٌ رصينٌ بهي
فأشهدُ إقدامَ بطلٍ جسور
ويبقي على سمعي من غردا
وفوق الغصون يطوف المدى
يداعب وجه الصباح البريء
فيعلو نداءٌ يرد الصدى
بهامِ العلو غدا موضعي
تخيّلتُ لو كنتَ حيناً معي
فأعدو وأعدو بكل الدروبِ
أنازل بين الحمى في الخطوبِ
وأمحو التردد من داخلي
لتفضي قواي فداء الوثوبِ
فلا دعةً تختلي مخدعي
لأني تخيلت أنك معي
قد صار كلٌ في كلٍ يجامل
نفاقاً وفاقا أعدّوا وثاقا
وعقدوا اتفاقاً على عَثرتي
لدحر التقدم من خطوتي
أعانوا نكوصا
أجادوا طقوسا
وباؤوا سقوطاً لدرك الهوامل
لتكسير عظمٍ
بعُقرِ الصميمِ وفرم الأنامل
ما كنت بهمُ يوماً لآمل
عضداً يُعين
فقد صِرتُ لهمُ صك التعامل
قربانَ وِدٍ للطيعين
أُعدَّ لتقديم نسك الولاء
فحيّاً صُلبت على مذبحٍ
بساح العراء
وجئتُ أقاسي نزفت مآسي
مآسي عشيرة
فجرحٌ يجرُّ عموم الجراح
فسالت وسالت
حتى استحالت
مداداً يخط ببرديتي
ضنى وحدتي
عناءً يصبُّ لظى حرقتي
وأختام حزن على دنيتي
فسالت ولكن …
ليس بالطبع سيل الدماء
صُلبت ولكن …
ليس بالطبع صلب الجسد
لكنها آلام روح بضيقٍ تبوح
وأوجاع دهرٍ لم تنتهي
تجرُّ أذاها
وتغرس أساها في أضلعي
تمنيتُ لو كنتُ
أخطأت يوماً بروض الصِغر
فتأتي إليّ
تعيد صوابي في لمح البصر
وتبحث عني
متخفياً خلف بابٍ كبير
تحت السرير
داخل خزانة حفظ الملابس
أو بين أغراض بيت المؤنة
فتلقاني حيناً
وتقتادني بروح المرونة
بهَدْيٍ يثوب لحُسن الخُلق
لتبعثَ في النفس تقويمها
ويمضي إليها بها من وَثق
وتروي إليَّ عِبراً رؤاها
صموداً وتعبا
نضالاً وعملا صواباً وخطئا
خسائر ربحا وتسهب قولاً:
لا تستكين
ولا تركنّن إلى الدعةِ
تعثرتَ قُمْ
وشُدّ بعزمك شُدَّ
الحصارَ على الشدةِ
لتبقى هُماماً وتقوى
وتعلو على الوحدةِ
فاحفظها عني ومني التي
نصائح أبٍ محبٍ
يصول وصالاً إليكَ بوصيتي
بُنيَّ لتبقى وثّاب خطوٍ مُتشجعِ
تعالى صياحاً دويُ النداءِ
حتى يلاقي سياج احتماءِ
أنادي عليك لأطوي بعادي
وأمحو لوقتٍ قليلٍ سهادي
فأعلو بصوتٍ شجيٍّ جهوري
على مرأى كوكبة للحضورِ
تجلجل بين الفضا ندهتي
وأذرف فوق الثرى عَبرتي
بكل امتنانٍ
أغوص حنيناً في عمقها
أبي
لأطربَ فحوى ويُمناً بها
أبتي
أردد فيها إلى المنتهى
أبتاه
أنشد فيها نشيداً لها
أعود أكرر فيها تباعاً
كي أتشبع من ريها
أبتاه – يا أبتي – أبي
حتى أرتوي منها هنيئاً
وترتوي منها معي
غفوتُ لبضعٍ لألقى المعاني
تمدُّ إليّ ذراعَ الأماني
رأيتكَ فيها شموخاً وطيدا
تبث البطولة بُعداً جديدا
فسرنا سوياً بقدَرٍ حباني
حنين المساء رقيقٌ يُداني
فتحكي وأحكي بعطفٍ وودٍ
وتبسط وجه الحياة بمدٍ
بساطاً يمهد لي مشرعي
طالعت شمس الأصيل تزولُ
وأذّنَ فوقَ سناها الأفولُ
فتمضي رويداً نحو الغروبِ
لحضن السماء بضيٍ تؤولُ
ومن ثم تزهو بنورٍ مديدٍ
بفجرٍ صبوحٍ جليّ وليدٍ
بخلقٍ تنفّس إشراقها
وقد سرت جنبك في وقتها
تجاذبتَ عذب الحديث معي
فتلك الخواطر دوَّنتها
من وحي لغتي استدعيتها
مواقف – عواصف
غرائب – طرائف
ما بين حين وحينٍ مخاوف
ترجّلتُ أرقب في إثرها
أطلّتْ بوحي البيان علينا
وتاج العروض بتوقيعها
تفاخر بالضاد في ربوةٍ
إلى الملكوت سموتُ لها
هذي الحروف مداد البيانِ
بوجداني قمتُ فسطّرتها
دوّنتُ فيها بروحِ الكيانِ
ومن نبض قلبي نقحتها
ولمّا انتهيتُ لميقاتها
صارت شخوصاً كلّمتها
وقد جئتَ أبتي على رأسها
تنادي تُعلّم
تثورُ تزمجر
تواسي تبارك
تفكر تقرر
تشيّد يداك صروحاً وتبني
فَرِحْتُ لأني لزمتُ التأني
في نظمها ومن روحها
جئتُ إليكَ أبثُ وصالي
تُحدّث فيكَ وعنكَ الليالي
وأروي لنفسي قصص الخيالِ
تمنيتُ فيها وما بالتمني
أراكَ لأحكي جليل الفعالِ
تمنيتُ أخرى وما بالتمني
أطير عروجاً لأرقى المعالي
لكني أسعى
بجهدٍ حثيثٍ لقمم الجبالِ
كما كنتَ ترجو
وروحك في كل وقتٍ معي