زينب البرعصي
بتُ أمشي في شوارع لا تعرفني، أبيض رمادي، غطى عشوائية اللون والأماكن ،الحداثة الباردة، الحدائق مصطنعة لا رائحة للأزهار، أبيض لون الشرفات والشبابيك وغبار بني لطين الوادي لايزال رابضاً فوق رمشها لا يطير. لافتات بحروف إنجليزية مضيئة، مقاهي تغزو المدينة خاليه من المثقفين، والراسخين في حب المقاهي العتيقة تجمعوا بجوار الوادي على مقاعد بلاستيك فوق ارصفه المغار، والجسر الحديدي البارد قسم المدينة كخط غرينتش يتحكم بالمواقيت يضخ الزحام للشوارع الوليدة تنتظر الأسماء. اختفت المدينة القديمة وقباب جامعها .. اختفت المصاطب، مئذنتان ما تبقى من بوصلة المدينة .. اختفت القبة الصفراء أقحوانة الطفولة والأعياد .. جسور حديديه تربط الأحياء، ولا تربط الأحياء الأموات الذين نجوا، المتلعثمون في أسماء (الزناقي) .. زنقة البحر لم تعد تطل على البحر، زنقة الحمار اتسعت للشاحنات والجرافات، انتهكت عُذريتها، واقتلعت باسقاتها من الأعماق. استوردوا الفسائل المهجنة، الرافضة ضرب جذورها ، أنا عمة الإنسان وهذه الأرض ليست أرضي.. والعمة حنون.
تسلقت سقالات المقاولين إلى الشرفات، الشرفات الخاوية على عروشها، وضجيج المعاول والفؤوس يقلق راحة العجائز العاشقات للقيلولة بعد غداء دسم. يفسد الإسمنت أوراق الشفشي، يجهض الزهر الحالم، وشجيرات الياسمين .. يقلق عش الحمام النيسي النازح من (حقاف الوادي) الي أعلى البنايات.
غبار غبار، لا مطر حسب توقعات الطقس .. الأمطار تهطل هناك، عند القرى المجاورة .. المطر يخيف الأطفال، يفتعل العطلات، يزعج أصحاب المحلات التجارية يضربهم الكساد. ننتظر المطر لتستريح الأمهات من الغبار، تقول إحداهن (لو كان تمطر، نتريحوا من العجاج).
في نوفمبر غابت أمطار البدرية، عطّلت مواقيت المحاريث .. نوفمبر أفسد موسم الشماري، العجور، الكرز البري. أنت لست درنة التي في خاطري .. درنة التي في خاطري مدينة لن تتكرر، ستولد من بعدي طفلة اسمها حنين، تتحدث عن هذه التفاصيل الحديثة كتاريخ وذكريات، المستقبل جميل .. ليس لي دعوني أعود لطاولتي وقلمي، وفنجان قهوة الكرسته العامر بالحب هاااان، ومدينتي التي في خاطري وأغنية فيروز، نسم علينا الهوا من مفرق الوادي .. ياهوا دخل الهواء خدني على بلادي