الذكرى الـ33 لرحيل الشاعر الليبي حسن صالح
حسن صالح
الليلُ ممتدٌ على الحيّ الكئيب بلا نجومْ
ليلٌ ثقيلْ
وزقاقُنا الداجي الطويلْ
تجثو به الأكواخُ مائلةَ النوافذ والسطوح
أبدا يفوح
منها عبيرُ الثوم مختلطاً برائحة الحساءْ
عبر المساء
والمسجدُ الخاوي وأشباح النخيل
وأنا وآلاف الصغار
نقضي المساءْ
والليل نلعب بالتراب
بلا ثيابْ
خلف الزرائب تحت أشباح النخيل
والليل ممتد ثقيل
ونطارد الوطواط عبر زقاقنا الداجي الطويل
وعندما يتفرَّق الأقرانُ في الليل الأخير
وأعود للكوخ الحبيب
متلصّصاً أندسّ فوق حشية القش الحقير
قربَ جدّتيَ الحنونْ
وتظلَ تهرش جلدها بحثاً عن البرغوث والبقّ اللعينْ
وتظلّ تمضغ في فتور
بعض التعاويذ القديمة
وتمدّ كفّا راعشاً نحوي تغطّيه الغضونْ
وتظلّ تمسح شعرَ رأسي في سكون
وتعود تحكي قصّةَ الماضي الأليم:
الحمدُ لله العظيم
قد عاد للحيّ السرور
وضجَةُ الأطفالِ في الليل الأخير
وعاد محمودُ العجوز يبيع أرغفةَ الشعير
والثومَ والتمرَ المجفَفَ والمصبّر والعطور
وعادتِ الدلالةُ العرجاء تصرخ من جديدْ:
(الكحلُ، والحنّاء، والعطر الفريد)
-عندي- وأعواد القماري والبخور
وعاد «مسرورُ» النحيل، يعود مشلولَ الشعور
ثملاً يغنّي في فتور:
يا عينُ توبي لم يعد في العمر متّسعٌ لحبّ الغانياتْ
وعناقٍ كاسات الخمور
قد عاد للحيّ السرور
فالحربُ ما عادت تدور
والموتُ والحرمان، والجوع اللعينْ
-ذهبت- وأحذية الجنود
وبنادقُ الفاشيست تلمع في الدُّجونْ
-حرابُها – والذكرياتْ
وصراخ تكلى: ماتَ، ماتْ
والجائعون
صفرُ الوجوه على الحوائط يذبلون
والموتُ، والطاعون
والذكرياتْ
عبرت وعاد لنا السلام
وعاد للحيّ السرور
لا، لن نخاف الجوع بعد اليوم يا طفلي الصغير
ما دام (محمودُ) العجوزُ يبيع أرغفةَ الشعير
وتعود تمضغ في فتور
بعض التعاويذ القديمة
وأظلُّ طولَ الليل أحلم بالصغار
والليل، والوطواط، والجوع اللعينْ
وبعض أرغفة الشعير
والموت، والطاعون في الحرب الأخير
عراجين | رقم العدد: 5، 01 أغسطس 2006