سرد

رواية الفندق الجديد: الفصل الثامن عشر

The Post War Dream 2019 Adnan Meatek Ink on paper Detailes

ذاكرة المجني عليه…

  2-  سرالعفريتة فهيمة

… يبدو أن أسرة ( إدريس بوشرفيدة) قد احتوت بالعطف والاهتمام الوافدين ، الجدد ،فقررت ابنتيهما (رتيبة) و(مريم)وبعد إصرار كبير منهن ومن شقيقهن الأكبر ،(ميلود) احد حقراء (غوط سيدي أدم ) والذي كان يشتهر بكنية ( شرفيدة ) أن تقومان بزيارة جارتهن الجديدة (نجوي)، لتقدما لها ماينقصها هي وطفليها من متطلبات وتهتم بإحتياجات سكنهم المتهالك كذلك، خصوصا بأن (نجوي) بدأ عليها عدم الإرتياح، في هذا السكن، فهي لاتنام ، حيث تخرج الي باحة الحوش  (البيت)  مع صوت أذان كل فجر جديد!، والذي يبشرها بقرب استيقاظ الناس ،فتبادر بتشغيل جهاز المذياع الي اعلي مستوي ليصدح بأغاني الأفلام المصرية الجديدة، حتي يخفي صوت الأذان، الذي لايروق لها، ويبدو أنه ينتابها شعورا بالخوف والرعب من جراء صوت ارتطام أشياء داخل تلك الغرفة خصوصا بعد منتصف كل ليلة، فتتأرق مرتعبة حتي قدوم الصباح.

قالت الفتاتان:

” ولكن يا يمي وياباتي ، عيب والله لازم تطلقونا وتخلونا نمشوا انزوروا جارتنا الجديدة (نجوي ) المفروض انونسوها عاد “.

..ولكن ياأمي وياأبي من الواجب علينا زيارة جارتنا (نجوي) لنوانسها،هكذا خاطبت الفتاتان أبويهما ،وهن يقمن بعجن دقيق الخبز بإقدامهن، ويجهزانه في إناء كبير كان مصنوع من الالمونيوم والذي كان يسمي قديما بالليان (1)

من أجل بيعه اليوم التالي.

وأضافتا:

فهي لاتعلم بقصة بيتهم المسكون بعفريتة الفتاةالهاربة والمخطوفة  (فهيمه) وعفاريت أخري قبل مقتل (فهيمه)!.

الأم (كوثر) بعد أن سربت نظرة لزوجها

(إدريس ) الذي تاه شاردا بذهنه وهو يرفس عجين الخبز، لتجهيزه كذلك أثناء الحوار الخطير ،حيث أرادت زوجته أن تستحثه علي سرعة  الموافقة من أجل السماح للبنات بزيارة جارتهم الجديدة (نجوي) ولكن هيهات أن يتفطن لحديث زوجته، فقد رجع بذاكرته الي عام 1932 حين كان مختبئا في حلاليق غوط اللهباط، حيث كان فارا من أولياء الدم جراء ثأرات قديمة عند صديقه، فقد أختبى عنده بعد أن اعتدي علي راعي سوداني وقتله وسرق اغنامه.

قالت:

باهي اساع انخليكن تمشلها ،بس بعد ما اتكملن حوستكن بس اصحن اتشهدرن بسر العفريتة .

حيث قالت لابنتيها بما معناه:

حسنا ساسمح لكنا بالزيارة بعد استكمال عجن وتجهيز خبزنا هذا.

وأضافت:

لكن عليكن الانتباه بأن لا تخبرن (نجوي) بسر جثة (العفريتة فهميمة).

وأردفت بما معناه:

فقط عليكن أن تهونن عليها وتخبرانها بأن لا تقترب من تلك الغرفة وأن أصوات الارتطام المتكرر داخل تلك الغرفة ماهو الا من وقع بعض العواصف و الرياح فقط.

… وبمجرد أن سمع (إدريس بوشرفيدة )، ما كانت تردده بناته وأمهن أمامه حول العفريتة (فهميمة) حتي اقفهر وجهه أكثر واسود، فتسرب دون إدراك منه صوتً أشبه بعواء ذئب يذوي!

 أصبح صوته خليطا ما بين البكاء والنواح والآهات،لكن زوجته (كوثر) سارعت بسحبه،  بسرعة خاطفة وجرجرته الي غرفته ،وأقفلت الباب عليهما وبدأت توبخه، بصوتها الخفيض بعيدا عن ابنتيهما.

.. مريم محدثة أختها الكبرى (رتيبة ) وهما تواصلان عملية رفس عجين الخبز بأقدامهن:

شنوقصة الغولة (فهيمة )، تعرفي شي؟

حيث قالت بما معناه:

ما قصة هذه العفريتة (فهيمه) ،هل تعرفين؟

رتيبة تتحدث لأختها باللهجة الليبية القديمة:

الحق ياخيتي انا منيش عارفة القصة كلها ، لكن فيه نثيث حكي واصلني قيسها غولة بنت كانت سمحة اسمها (فهيمة)، اوكان بوك صاحب خوها ، جابها امعاه باتك بدون علم عربها اللي ساكنين في غوط اللهباط، زمان هاذك الدوة قبل حتي مايتزوج باتك من امنا (كوثر ) وبعد جاب باتك (فهيمة) حطها في هالدار وصكر عليها لقاها مقتولة ومقطعة تقطيع بالامواس والسواطير، وباتك من لحظتها امصكر راسه انه ماقتلهاش!.

حيث قالت بما معناه:

حقيقة أنا لأعرف القصة كاملة، لكنها عفريتة، يقال أنها كانت لفتاة جميلة اسمها (فهيمه)، وهي أخت صديق ابوك ، حضرت معه دون علم اهلها من غوط اللهباط، بعد إنتهاء فترة مكوث  والدنا عندما كان شابا وقبل الزواج من أمنا ، وعندما احضرها والدك و خبأها في هذه الغرفة ، وجدها مقتولة ومقطعة بالسكاكين،وأضافت بعد أن وجهت نظرة الي أختها:

لالا لا والدك يصر علي أنه وجدها مقطعة بالساطور والسكاكين في هذه الغرفة ولم يقم هو بقتلها!.

مريم:

خبر يابتي ومن اللي قتلها عاااد؟

قالت مريم بما معناه مستغربة:

ومن قتلها اذا؟

رتيبة:

مافيش حد داري

حيث قالت بما معناه:

لا أحد يعلم

مريم: 

أزعمك؟ مافيش حد عنده علم!! والله موش ممكن اتكون فيه جريمة ماتفوحش بنتها.       

حيث قالت بما معناه:

 كيف لا أحد يعلم؟! فلا يوجد هناك جريمة كاملة !!

   وأردفت:

ازعمك باتك عنده معرفة في مركز الشرطة والله في المحكمة، استروا علي الفالطة اللي دايرها؟

وأردفت بما معناه:

  لابد أن لوالدنا معارف وأقارب في نقطة الشرطة

أو في المحكمة ، قاموا باهمال القضية وسجلوها ضد مجهول.

 رتيبة:

انقولك حاجة منقدرش انتخايل منهو اللي داير هالفالطة.

قالت رتيبة بما معناه:

حقيقة لا أستطيع أن أخمن من القاتل ومن فعل هذه الكارثة؟

وأضافت باللهجة الليبية القديمة:

ومن هذكاهي الساعة والعرب اسمع ياللي ماتسمع ، عياط من هالدار طراطيش وجري واللهود خبر متخلط ومتلخبط وصوت دليف باب، ولطيم كفوف وأخدود الحصيلووو الدنيا نايضة!!

وأضافت بما معناه:

ومنذ تلك الأيام والكل يسمع ارتطامات لجسد فتاة وهي تصرخ وتجري هنا وهناك! مختلطة بصرير ولطم اكفف وخدود وأصوات متكررة لانطباق بابا خشبيا من تلك الغرفة.

ثم بدأت مريم تمازح أختها باللهجة الليبية القديمة:

 ايقولوا انك ابنيتها هاهاها وراهي هي اللي رضعاتك وبعدها رضعاتك خالتك زعفرانة ، بعد ماقتلوا امك العوبة فهيمة هاهاها.

حيث مازحت مريم أختها بما معناه:

يقولون أنك ابنتها هاهاها ،وقد أرضعتك هي وخالتي (زعفرانة) هاها ها، بعد أن قتلوا أمك (فهيمة ) ،تلك الفاجرة هاها.
…كانت (مريم) تمازح أختها ( رتيبة)، ولم تتفطن أنها كانت تقترب من عين الحقيقة.

… وفي هذا الأثناء في الغرفة كان التوبيخ يتعاظم والنقاش علي أشده بين (كوثر) وبعلها (إدريس بوشرفيدة).

 كوثر توبخ زوجها باللهجة الليبية القديمة :

هالفالطة  قاعدة  تلاحق فيك.

قالت الزوجة وبما معناه:

هذه جريمتك الشنيعة وهي تلاحقك منذ مقتل (فهيمه).

إدريس:

لالا انا جبتها معاي سعتها صحيح بس ما قتلتهاش.

إدريس  يرد بما معناه:

لالا انا جلبتها معي و لم اقتلها.

كوثر تجادل زوجها ادريس باللهجة الليبية القديمة:

لالا  الكراطون هظياهي مايمشيش عليا لوكان “مانعرفك يا تينتي انقول عليك العطارة “مثل شعبي ليبي قديم،… انت اللي خطفت فهيمة وحملت منك ب (رتيبة ) وخفت تنكشف عملتك عديت قتلتها بعد ما افلطتها امها دغري.

حيث جادلت (كوثر ) زوجها بما معناه:

بل قل زنيت بها عند أهلها، ثم خطفتها وهي حاملب(رتيبة) وخفت انفضاح امرك فقتلتها! بعد انجابها مباشرة.

إدريس صارخا ومحطما جرار الماء هنا وهناك:

تي عدي روحي بعيد  ياوليه، (فهيمة) احملت مني، لما كنت عند هلها هظا صاح اما عدا هكي حرام علي ديني ماصار ، وراني كنت ناوي انديرلها عرس كيفها كيف كل العرايس.

إدريس صارخا ومحطما جرار الماء هنا وهناك ويقول بما معناه:

لالا لم اقتل خطفتها فقط،حملت مني عندما كنت في ضيافة اهلها هذه اعترف بها،وكنت فيطريقي لاشهار زواجي بها…

كوثر:

بس انت خنت صاحبك ياراجل ، واللي دسك ع اعيون الناس اسنين ووكلك وشربك، وخنت العشرة وبعد هظا كله مشيت خطفت اخته!

حيث قالت بما معناه:

ولكنك غدرت بصديقك الذي خبأك في غوط اللهباط سنوات ،فخطفت اخته يوم مغادرتك لهم؟

وأضافت:

وبعد شبعت منها اتمرطيز بالحرام ، عديت قتلتلها ياراجل ياموسخ، هظا عمل اديره واحد ولد بيتية؟   ياللي ما اتحشم.

وأضافت بما معناه:

وعندما مللت منها قمت بقتلها؟ وهذا الفعل لايقوم به أحد من أبناء الأصول!

إدريس:

يعني انت اتخيلي!! لوكان انا اللي قتلتها اتسيبني الشرطة تهيالك.

حيث قال بما معناه:
وهل تتصورين أنه لوكنت قاتلا لفهيمه سيتركني  رجال الشرطة؟

 كوثر:

عدي روح ياراجل ماتقنعنيش ، راني عندي علم ان الشاويش (عمران )، يبقي ولد خالتك (زعفرانة ) اللي كان يخدم في المحكمة ياراجل ، ولخبط اوراق الكاينة وخلاها منسية.

كوثرترد بما معناه:

لاتقنعني بهذه الحجة فانا أعلم أن الشاويش( عمران ) ابن خالتك (زعفرانة)، كان يعمل في المحكمة تلك السنوات،ولقد تلاعب في القضية وسجلها ضد مجهول.

إدريس:                                                                                                

عمران ؟ أين هو عمران؟

  وأضاف:

ولد خالتي (عمران ) القيناه  مفصول الرأس وجمجمته محطوطة في هالدار  هي بزيادة.

اووو  جثته القيناها امقطعة في شوال شعير بوخط ومرمية في الملاحة. 

حيث اضاف بما معناه:

ابن خالتي ( عمران ) وجدناه مفصول الرأس وجمجمته وجدناها مضرجة بالدماء في هـ الغرفة كذلك ،أما جسده وجدناه مقطعاً ارباً ارباً، باحد الاكياس التي تستخدم لحفظ محصول  الشعير ومرمية في الملاحة.

 كوثر ترد مستهزيئة:

هاهاها تعرف انا بديت متأكدة أن هذه الجريمة دكوها في مجهول حتي هي هاهاها

 حيث قالت باستهزاء  بما معناه:

أكيد ان هذه الجريمة تم تسجيلها ضد مجهول  هي الاخري ها ها ها.

 وأضافت:

 وهظا عليش خالتك المسكينة (زعفرانة ) بقت مدوشنة كيف البهيمة اتنسرف في الشوارع ما حد سايل عليها.

حيث أضافت بما معناه: 

ولهذا السبب أصبحت خالتك المسكينة (زعفرانة ) تتسكع بدون وعي في الشوارع ولا أحد منتبها اليها

أو مهتما بها.


1-  الليان: هو صحن كبير الحجم  مصنوع من المعدن.

مقالات ذات علاقة

حكايات ليبية..!!!

عطية الأوجلي

رواية الحـرز (20)

أبو إسحاق الغدامسي

رواية الفندق الجديد: الفصل التاسع عشر

حسن أبوقباعة المجبري

اترك تعليق