المكان
قبل أن يصل إلى سوق الظلام استوقفه أحد دراويش المدينة، درويش قلبه يجلب الحلم المألوف، توجه الدرويش اليه بسؤالٍ: أأنت تذهبُ إلى مكانٍ لا تدري أين هو؟ ذُهل من السؤال، رمق الدرويش مندهشاً، ترددّ في حيرة ثم أجاب مُحملقاً في وجه درويش ممتلئاً بالشك: لا يُمكنني التكهن من ذلك حتى أصل اليه. انتصف النهار، السماء مكشوفة ووجه الشمس حارقٌ، مدينة في حرٍّ وفي ظُلمةٍ، وصل السوق، دار حول نفسه عدة مرات، تغلف الزمن بلحظة شرود، فقد صوابه فلم يجد المكان وتلاشى الزمن، واجه شكلاً آخراً للمكان، أيقن أنه فقد ذاك المكان مأوى الحائرين وايقن أنّ روح الدرويش أبت أن تعود وأنّ لا أحد في المدينة يعرف ذلك.
زهرة ندية
اسمها كاسم زهرة نديّة، تُشرقُ وتستنير.. وهي تمشي في ميدان البلدية والشحوب يلف وجه الأشجار وهي تصلي على ماتبقى لها من ورقٍ، لم تتمالك نفسها من الغضب الصامت، تفرّ من غيضها إلى غيضها، معالم مدينتها تتعرض للحصار والدمار، ركضت كمهرٍ أنوف نحو جناين حي المغار، تبدو مطمئنة بين المجهول والأحلام، الريح تعصف بالشجر، تطاير فستانها المخملي إلى حافة خسرها، نزلت عليها غيمة سحرية فسترتها، الغيم المتراقص واصل السير معها حتى حوشها.. غابت عن عين الغمائم بين الجناين، لساعات طويلة ظلت الجناين تتأمل رقص أوراق الخريف فوق برد الريح وتتأمل زهرة نديّة تحت ضوء الحلم.
زمن الزمان
كعادته الرتيبة يجلس أمام المقهى، يفترسه الزمن ويخذله ما بالمقهى من سأمٍ، فزت في رأسه كلماتٌ يتحاشاها: ما الذي أرهقني بلا جدوى سوى صورة ذاتي في وطني؟ أرجل كثيرة تمضي في خطوٍ عنيد، ايادي تحمل هواتف ذكية، أرجل تمضي لا يدري إلى أين، الناس في غفلة من وحشة الطريق، تعبت كراسي المقهى من مذاق الغبار ومن يأسٍ ينهش كل جليس، تداعت أغنية من جوف المقهى تثير انتباهه، لم يفهم منها إلا كلمة واحدة: ” كلكم كذابة”، اعتقد أنّه يسمع صوت حوافر حصان صحراوي، أذهله الصوت الغريب، القى السمع والبصر فأبصر أمامه عفريتاً يضع فوق رأسه قبعة منقوش عليها: ما الداعي إلى الكذب؟
أمام البيت
تغنّى على الجسر البرق البهيج، تغنّى وتمنّى.. وهذه صبيةٌ تخرج من مدرسة الياسمين للبنات، تمشي في خفة ورشاقة، أفراح المدينة تسكنها، تحمل حقيبة جلدية تحتفظ بكراريسها، السحائب غيوم مُبصرة، تصل جسر الوادي العفيف، السحائب تشاكسها ريح قادمة من حافة البحر، خطر على المطر أن يهطل فوق الجسر، رشرشة المطر لا تهدأ، فرحت بالماء النقي، شرّعت لقطر المطر ضفائرها، التصق ثوبها بجسدها اليانع، غرقت قدميها بالماء، سحرها رفيف المُزن، هرولت مسرعة لزقاقها، سقطت حقيبتها من بين يديها، تركتها، وصلت بيتها مبتلة.. بعد لحظات كانت تجلس على سفرة الغداء مع أهلها مرحة، فقد كان يحرسها طوال الوقت وكانت حقيبتها أمام البيت.