دراسات

المفكرة التاريخية: تأملات حول الولاء والهوية فكرا ومنهجا (3)

من أعمال التشكيلية شفاء سالم

الهوية (1)

تساؤلات كثيرة ومهمة تطرح حول الهوية الليبية في العشرية الاخيرة، فالهوية قضية مهمة على مستوى المجتمع والفرد، لكن الخوض في هذا الموضوع يقودنا لمعرفة كيف تطور مفهوم الهوية لدينا نحن العرب، ويطرح امامنا العديد من التساؤلات: وهي لماذا البحث على الهوية ومحاولة اثبات من نكون من نحن؟ ألا نعرف هويتنا؟ ما هي مكونات الهوية الليبية؟ ولمن الأولوية والأسبقية في مكونات هويتنا ودوائر انتمائنا؟ ما شكل الدولة التي نريدها؟ وللإجابة على هذه التساؤلات لابد لنا ان نعرف مصطلح الهوية؟

الهوية هي مجموعة الصفات والسمات التي تميز شخص أو مجموعة وتنعكس في سلوكه، وهي مشروع قراءة وطنية للصيرورة التاريخية لساكني حيز جغرافي واحد. من خلال تفكيك وتحليل الجانب التاريخي والانثروبولوجي واللساني في قراءة مقاربة عميقة لنحدد الهوية الوطنية لهذا الحيز بتشكيلاته المتعددة.

 العديد من المؤرخين عرفوا الهوية كلا حسب نمط تفكيره ورؤيته لذاته ولبيئته على سبيل المثال لا الحصر عرفها لنا المؤرخ ارسطو بانها وحدة الكائن او ان الشي الواحد متطابق مع نفسه. أما المؤرخ الجرجاني فعرفها هي الحقيقة المطلقة المشتملة على الحقائق اشتمال النواة على الشجرة.

• فالهوية هي شيء مكتسب بمرور الزمن وتطور وتنور الفكر الانساني فمنذ بدء الخليقة لم تظهر الحاجة لمعرفه او تحديد الهوية هوية الانسان، وانما ظهرت الحاجة لتلبية الحاجات الضرورة من اجل البقاء كتوفير المأكل، ثم المسكن ثم الامن والامان.

• بظهور ما يعرف بالتجمع البشري او التجمع القبلي والجغرافي ظهرت فكرة الانتماء له والتعريف بذات الهوية كتجمع او قبيلة والتعريف بعاداته وتقاليده وعرفه. فانتشر مصطلح الهوية بمعناه القبلي باسم هوية القبيلة (قريش خزاعة بن سليمان)، ثم ظهرت هوية القوميات القومية العربية الفارسية البيزنطية الرومانية الاسلامية وما صاحبها من ربط هوية بالديانة العبرية المسيحية المجوسية الاسلامية.

• اما هوية الدولة الحديثة بحيزها الجغرافي الضيق ظهر تقريبا في نهايات القرن 18-وبدايات القرن 19م بتفتيت الإمبراطورية العثمانية وبتوحيد الدويلات القزمية في دولة واحدة منها الايطالية والبريطانية والفرنسية ودويلات الوطن العربي والافريقي فأصبح يعرف بهذا المصري وهذا الليبي وهذا الروسي وهذا الايطالي الي غير ذلك.

• سبق ان ذكرنا ان الهوية هي شي مكتسب قد لا يخضع لثوابت ما فالفكر الانساني المتطور دوما يتطور بتطور ادواته، هذه الادوات التي فندت مقولة ان الهوية بمنطقها القاصر المعروف بالحيز الجغرافي الضيق وبالقومية. لان العلم اثبت بالتحليل العلمي بان من يعيش في امريكا او بريطانيا او ليبيا ليس لهم اصول موحدة. في ليبيا اذ ما تم خضوع الشعب بالكامل لتحليل DNA ممكن تظهر لنا اصول مختلفة عبرية فارسية يونانية. وهنا من الاصح نرجع الهوية للديانة او للعرق وهنا تفقد الدولة سيادتها وتتفتت ويفقد المواطن ما جبل عليه في بلاد المولد ويصبح يبحث على الموطن الاصل.

• فعناصر الهوية التي تمثل في مجموعها وتركيبها شكل الهوية (العرق -الدين- التاريخ- اللغة –الفكر…) تختلف عن مظاهر الهوية التي هي (الملابس – الفنون – العادات -التقاليد –العرف-). وهنا نستنتج إن كلما زادت العناصر المشتركة كلما حددت الهوية لمجموعة بشرية ما. والاختلاف في المظاهر لا يلغي الهوية الا اذ كان الاختلاف في جميع المظاهر، اما اذ الاختلاف كان في العناصر فهذا يلغي الهوية.

هنا لابد ان نوضح أوجه الاختلاف بين مفهوم الهوية ومفهوم الشخصية!!!

• هناك خلط شائع في الكتابات الاجتماعية والسياسية بين (مفهوم الهوية ومفهوم الشخصية) على اعتبار أنهما شيء واحد كأنهما اسمان مترادفان لشيء واحد، والحقيقة أن هناك فرق كبير ودقيق بينهما بالرغم من العوامل المشتركة عوامل التأثر والتأثير بينهما.

• فمفهوم الهوية على مستوى الفرد أو الجماعة يتعلق بالانتماء للأمة والدولة والبلد والدين واللغة والثقافة والطائفة والجهة والعائلة… الخ، بينما مفهوم الشخصية يرتبط بالشخصية الانسانية شكلا ومضمونا، بالشكل والطباع والميول والسلوك والاخلاق ومعامله الشخص مع الآخرين ومستواه المعرفي والمادي.

• هذا الفرق في تقديري فرق دقيق يجب الانتباه اليه وإسقاطه في معالجة موضوع الهوية الليبية ومعالجة موضوع الشخصية الليبية. الشخصية الليبية متنوعة الامازيغي والعربي والتارقي والتبو والرقريق واليهود.

• والمعالجة هذه لا تتأت الا بقراءة صيرورة تاريخ الحركات القومية العربية في القرنين الثامن والتاسع عشر. وما حملته من حركة التنوير الفكري والذي أنتج سؤال الهوية. فلا بد من فهم هذه الحركات والاستفادة منها فلا يمكن فصل الهوية الليبية عن الهوية العربية الاسلامية فهي عبارة عن نتاج لتدرج هذا الفكر الانساني الساعي لأثبات الهوية.

• لابد ان نسعى لإثبات حقيقة ان الشخصية الليبية متنوعة وارجاعها الي القومية او العرق أو الديانة تعتبر نظرة قاصرة، اذن لابد في هذا القرن ان نرجعها الي العمق الانساني الي عمقها التاريخي.

3اكتوبر 2022

يتبع

مقالات ذات علاقة

المفكرة التاريخية: تأملات حول الولاء والهوية فكرا ومنهجا (6)

مفيدة محمد جبران

قراءة في ديوان.. جلال عثمان: يحي الشعر المحكي بحفلة موت

المشرف العام

الكتابة النقدية الساخرة في ليبيا منذ “أبوقشة” إلى “طرنيش”

يونس شعبان الفنادي

اترك تعليق