طيوب عربية

مقدمة كتاب: النقد الثقافي المقارن – محاضرات ودراسات

مسعود عمشوش | اليمن

كتاب النقد الثقافي المقارن
كتاب النقد الثقافي المقارن

في مطلع ثمانينيات القرن الماضي اخترت أن أكرس أطروحتي لنيل الدكتوراه لدراسة (أساليب السرد في ألف ليلة وليلة وتوظيفها في الروايات الفرنسية في القرن الثامن عشر)، وذلك في قسم الأدب المقارن بجامعة السوربون. وقد نصحني أستاذي المرحوم جان جيله بمحاولة التوفيق بين أحدث اتجاهات تحليل الخطاب والنصوص السردية، التي أعادت للمرسل والمتلقي أهميتهما، وبين مبادئ نظرية التلـقّي، وذلك لدراسة الكيفية التي استقبل بها الفرنسيون الحكايات العربية في مطلع عصر التنوير، ومقارنتها بالكيفية التي استقبل بها شهريار حكايات شهرزاد. وقد قمت بترجمة أجزاء من أطروحتي في مجلة (الثقافة الجديدة) التي كانت وزارة الثقافة تصدرها في عدن في نهاية ثمانينات القرن الماضي، تحت عنوان (محافل القول في ألف ليلة وليلة).

وفي مطلع تسعينيات القرن الماضي كلِّفت بتغطية مساق الأدب المقارن ضمن برنامج البكالوريوس في أقسام اللغة العربية بكليات التربية جامعة عدن، ثم في كلية الآداب – جامعة عدن. وكانت المساحة الزمنية المقررة للمساق واسعة نوعا ما؛ إذ كان المساق مقررا لمدة فصلين في المستوى الرابع. لذلك استطعت أن أخصص ساعات طويلة للجانب التطبيقي، فدرّستُ أوديب في مسرحيات سوفوكليس وتوفيق الحكيم وعلي أحمد باكثير، وانتقال فن المقامة من الأدب العربي إلى الأدب الإيراني، وصورة اليمن في كتابات الغربيين.

وحينما تم افتتاح برنامج ماجستير الدراسات الأدبية، في أقسام اللغة العربية وآدابها، قرِّر المساق لفصل واحد، وأصبحت المساحة الزمنية أضيق. ومع ذلك فقد حرصت، في هذا المستوى، على تبنّي مقترحات ستيفن توتوسي بمزج الأدب المقارن بالدراسات الثقافية، وقمت بتخصيص مساحة لا باس بها من المساق لتقديم انتقال الأدب المقارن إلى النقد الثقافي المقارن. فإضافة إلى دراسة (المؤثرات الأجنبية في الأدب اليمني)، قدمت مبادئ نظرية (أدب ما بعد الاستعمار وتجلياته في الأدب في كتاب محمد علي لقمان: بماذا تقدم الغربيون؟). ومنذ سنة 2016، أصبح اسم المساق في الدراسات العليا: (الأدب المقارن والدراسات الثقافية).

وإذا كان تدريسي لمساق (قضايا في الأدب العربي القديم)، في إطار الدراسات العليا بكلية الآداب، قد شجعني على نشر كتابين حول أشكال كتابة الذات، السيرة الذاتية والمذكرات واليوميات، وأدب الرحلة، فتدريسي لمساق الأدب المقارن والدراسات الثقافية أثمر عددا من الكتب، لعل أهمها: (عدن في كتابات الرحالة الفرنسيين، 2002)، و(حضرموت في كتابات فريا ستارك، 2004)، و(الحضارم في الأرخبيل الهندي، 2006)، و(صورة اليمن في كتابات الغربيين، دراسات في تمثيل الآخر، 2010)، و(تعز في كتابات إيفا هوك، 2012)، و(المستكشف هاري سانت جون فيلبي ورحلته إلى حضرموت، 2013)، و(اليمن في كتابات فريا ستارك، من الاستكشاف إلى الاستخبارات، 2015) ، و(جدة وعدن ومسقط في كتاب آرثر دي جوبينو، 2016).

وجميع تلك الكتب تدخل أساسا ضمن الجانب التطبيقي للأدب المقارن والدراسات الثقافية، ولا تتضمن إلا ملاحظات نظرية ومنهجية محدودة. لهذا ما زلت أضطر، في كل بداية عام دراسي، أن أحيل طلبتي إلى عدد من المجلات والكتب التي نشرت فيها دراساتي المنهجية والنظرية حول مادة تخصصي: الأدب المقارن. وبما أن بعضها أصبح بعيد المنال، رأيت أن أجمع، في هذا الكتاب، شتات بعض محاضراتي التي تطوع لطباعتها بعض الطلبة، والتي يعود بعضها إلى عام 1990، وتلك الدراسات التي نشرتها في اليرموك وعدن وألمنيا، خلال العقدين الماضيين.

فمن المحاضرات التي طبعها الطلبة: محاضرة (مدارس الأدب المقارن وتعريفه وموقعه بين الدراسات الأدبية، التي تتضمن تقديما عاما للأدب المقارن ومعضلاته، والمدرسة الفرنسية التاريخية في الأدب المقارن، والمدرسة الأمريكية النقدية في الأدب المقارن، والاتجاه التوفيقي، والأدب المقارن في الوطن العربي. ومحاضرة حول ميادين البحث في الأدب المقارن، تتضمن تقديما لدراسات التأثر والتأثير، ودراسات التشابه والتماثل، والصوراتولوجية أو صورة الشعوب والبلدان في آداب الغير، ودراسات الترجمة، ودراسات التلقي، ونظرية أدب ما بعد الاستعمار. ومن الدراسات المحكمة، التي سبق أن نشرتها في كتب أو مجلات: دراسة حول (تحولات الأدب المقارن، من الأدب المقارن إلى النقد الثقافي المقارن)، نشرتها سنة 2006، في اليرموك ضمن كتاب (تحولات الخطاب النقدي العربي المعاصر).

ويتضمن هذا الكتاب كذلك الدراسة التي نشرتها بعنوان (صورة المرأة اليمنية في كتابات المرأة الغربية)، في العدد الأول من مجلة (الجندر والدراسات النسوية)، التي يصدرها مركز المرأة بجامعة عدن، ودراسة (بلقيس ملكة سبأ في كتابات الرومانتيكيين الفرنسيين، دي نرفال – فلوبير- نوديه)، التي نشرتها في مجلة (حوليات كلية الآداب) بجامعة ألمنيا، ودراسة (دور اللغة الإنجليزية والنشاط الترجمي في الحياة الثقافية في عدن قبل الاستقلال)، التي نشرتها في كتابي (الترجمة في عدن، 2019). ويتضمن الكتاب دراسة حول (أدب ما بعد الاستعمار وتجلياته في كتاب (بماذا تقدم الغربيون) لمحمد علي لقمان).

وفي الختام أود أن أذكـّـر الطلبة في أقسام اللغة العربية وآدابها، وبشكل خاص طلبة الدراسات العليا، أن هذا الكتاب، الذي أتمنى أن يعثروا فيه على بعض الفائدة، لا يمكن أن يغنيهم عن الاطلاع على أكبر عدد ممكن من المراجع والمصادر عند دراستهم للأدب المقارن والدراسات الثقافية.

والله من وراء القصد.

عدن في 12 يناير 2022


* أستاذ الأدب العام والمقارن – جامعة عدن.

مقالات ذات علاقة

المكان والإنسان في مَغناة الليلك

زياد جيوسي (فلسطين)

يسرقني هذا الشوق غفوة

المشرف العام

لماذا الخامس عشر من نوفمبر مجرد كذبة بلهاء؟

فراس حج محمد (فلسطين)

اترك تعليق