تمهيد:
يولد الطفل شبيها بالفنان، رقيق العواطف والمشاعر إلى أبعد الحدود، ولا يربطه أي شبه بالعالم الذي يزن الدنيا بميزان العقل، ولذا فالفنان يدرك الأشياء في صورة مجمعة موحدة كاملة، غير أن العالم يعمد إلى تفكيكها وإعادة تركيبها، ومن هذا المنطق نرى الطفل يتقبل كل شيء كامل الصورة والشكل والمعنى، و لا يحبذ بطبيعته الفطرية أنصاف الحلول أو الأشياء، وكلما تدرّج في رحلة العمر تباينت له تلك الأجزاء والأشكال في صور هدية من صانعها أو مبدعها، جاءت لتخصب خياله وتقوي إدراكه وتنمي إحساسه بحقيقة الوجود، وما يتصل به من مكونات.
والمبدع الحقيقي هو ذلك الفنان الذي يفهم الطفل ويقدّم إليه أروع الهدايا، ومن هنا أقول إذا أردت أن تكتب للطفل عليك ألا تكون طفلا ولكن عليك أن تتساءل في براءة الأطفال:
– هل الطفولة قراءة أم كتابة؟
وإذا أردت أن تعرف الجواب عليك أن تدرك سر لعبة الكتابة للطفل، وإذا أدركت ذلك فأنت طفل يكتب خطة النجاح على جبينه فيقرأها جميع الأطفال في فرحة، وهم يتوافدون عليه ليطبع كلّ واحد منهم على ذلك الجبين قبلة ليعيشها واقعا يراقص قلبه في غمرة الابتهاج تقديرا لما أبدع الكاتب، في زمن تطغى فيه فوضى الكتابة باسم الطفل والابتزاز على حساب ثقافة ذلك الإنسان الصغير وخاصة في بلد اسمه الجزائر فما أكثر الذين يدّعون الكتابة للطفل، ولا يهمّهم من وراء ذلك سوى الربح المادي على حساب ثقافة الطفل وتربيته وتوجيهه وتعليمه، وقلة قليلة تحاول أن تؤسس لوجود ثقافة الطفل بغض النظر عن امتلاك تقنيات الكتابة للطفل، وبغض النظر عن المواضيع التي يطرقها الكاتب.
والحقيقة التي نقف عليها في الجزائر هي أن الكاتب الجزائري (الأديب القاص والشاعر) يستخف بمن يكتب للطفل، لأن ذلك في نظره لا يرقى إلى مستوى ما يكتب للكبار، وذلك على عكــس ما يكتب في الوطن العربي والعالم، لأن الكتابة للطفل أصعب الأنواع الأدبية على الإطلاق، والمجتمعات التي تحترم نفسها هي تلك المجتمعات التي لا تستخف بعقول صغارها، ولا تقلل من شأن أبنائها المبدعين لجيل الأطفال.
وهذا الأديب رابح خدوسي واحد ممن يهتمون بكتابة الطفل وتحديدا في مجال القصة، وبذلك يصنع مساحة للركض في عالم أدب الطفل انطلاقا من عدة عوامل، نذكر منها:
1. كونه لازم الطفل طويلا مربيا ومشرفا على دائرة الطفولة في المدرسة الجزائرية.
2. كونه صديقا للأطفال.
3. كونه أبا لأطفال يعرفون فيه طيبة القلب وسعة الخاطر.
لقد تجاوزت أعماله عشرة أعمال نذكر منها: صيحة الحرية، جبل القرود، سباق الحيوانات، الطفل الذكي، اليتيمة.
بالإضافة إلى اهتمامه بالتراث وإعادة صياغته في قالب قصصي موجه للأطفال مثل قصة عروس الجبال، القاضي والحمقى، بقرة اليتامى، بوعمامة الأميرة السجينة، الفرسان السبعة، لونجا، الشاعر والجائزة:
هذه الأعمال القصصية كلّها تشكّل إرثا ثقافيا للطفل الجزائري بغض النظر عن نوعية المواضيع التي تطرقها هذه القصص الموجهة للطفل.
إننا لسنا بحاجة في هذه المحطّة المتواضعة للوقوف على خلفية ظهور مصطلح أدب الطفل أو التاريخ لنشأته في العالم أو الوطن العربي، غير أن ما يعنينا هنا هو الوقوف على مضامين القصة التي يكتبها الكاتب رابح خدوسي ومستويات الكتابة التي تتباين بين النص المنتج إبداعيا والنص المنتج إعدادًا من التراث.
النص القصصي المنتج إبداعيا: هو ذلك النص الذي يكون من ابتكار الكاتب يراعي فيه عامل الموضوع الهادف فنيا وتربويا وعلميا، كما تراعى فيه مستويات اللغة التي يستخدمها الكاتب لتشكيل بنية النص.
ولعلّ من أهم نجاح النص القصصي الموجه للأطفال عنصر التشويق وقدرة الكاتب على توصيل الفكرة إلى ذهن القارئ الصغير الذي يحبّ دائما أن يتعامل مع الأشياء والأشخاص بإعجاب كبير وصدق فني يؤسس عنده ملكة التخيّل وابتكار القصص والأحداث التي تغلب فيها عنصر الإثارة وعامل الفرح الدائم بتحقيق الذات داخل النّص المقروء.
وهذا الكاتب رابح خدوسي يختار لقصصه الموجهة للأطفال عناوين في مستوى الطفل، والقصة بقدر ما تجعله يتلقى المقروء باعتيادية مطلقة تجعله يتابع تفاصيل تلك النصوص برغبة ملحّة من أجل معرفة التفاصيل التي يعيشها بطل القصة، وذلك كما في القصص: الطفل الذكي، جبل القرود، اليتيمة، وصيحة الحرية.
إن هذه العناوين تثير لفت انتباه القارئ الصغير، من خلال النص ومن جانب إخراج القصّة تقنيا وفنيا بما يحتوي من رسوم على الغلاف.
وإذا وقفنا عند تلك القصص الموجهة للأطفال نجد الكاتب يعتمد كلّيا على عامل السرد أو الحكي الصادر عن الراوي، كما تشتمل على عنصر الحوار المتماسك من البداية إلى النهاية.
1. قصّة الطفل الذكي:
تدور أحداثها في وسط أسري يكون فيه الطفل رؤوف صاحب الثماني سنوات، يحاول أن يجلب أنظار الأسرة بتلك الحركات الغريبة وهو يحاول تقليد أصوات وحركات الحيوانات، وذلك كما في قول الكاتب مرّة يمثل حركة القرد وأخرى الأسد ومرة ينبح كالكلب، يجري وراء الخراف، يعوي كالذئب.
إن هذا الوصف للطفل رؤوف يمثّل حركات الطفل والكاتب يريد أن يقول لنا من خلال هذا الوصف بأن الطفل مولع منذ الصغر بتقليده للحيوانات وبتقليد الكبار للصوم وتظلّ لغة القصّة عادية في متناول الأطفال.
إن الكاتب في هذه القصة يحاول أن يقول لنا يجب علينا أن يُعوّد الصغار على القيام بتعاليم الإسلام (الصوم)، ولكن رؤوف لم يتلق أي أمر من الأسرة بالصيام على العكس يحاول وحده التقليد فقط والشيء الجميل في القصة الحديث النبوي الخاص بالإفطار في رمضان “اللّهم لك صمت وعلى رزقك أفطرت”
ويحاول الكاتب في هذه القصة بطريقة ذكية أن يجعل القارئ يفكّر ويتذكر تفاصيل القصة من خلال تلك الأسئلة التي يطرحها منها ما هو الموضوع القصة؟
– ضع عنوانا آخر للقصة.
– ما هي أجمل عبارة أعجبتك في القصة؟
– لم ابتسم بطل القصة؟ … الخ. وتبقى القصة تحمل مدلولا تربويا تحفزّ الطفل على التّمسك بتلك العادات الجميلة التي من خلالها يحب الصغير عبادة الصوم.
2. جبل القرود:
الأبطال (عمر آمنة، سفيان) تحدث هذه القصة عن رحلة قام بها الأب مع الأبناء إلى جبل الشريعة، بحيث يطغى عنصر الوصف لجمال الطبيعة، الجبال، الطيور، القردة، وتنتهي بنجاة القرد من أيدي الأطفال ويعود الجميع في فرحة وسرور.
إنها قصة تتضمن موضوعا محدّدا أرادها الكاتب أن تكون رحلة في فضاء طبيعي للمتعة دون التقيد بفكرة أساسية، ذلك بلغة عادية يشكّل تفاصيلها ذلك الحوار الذي يظل داخل الأطفال الثلاثة، يحاول الكاتب أن يعرف القارئ الصغير موقع (جبل بني مسيرة) بأنه يقع قرب منطقة الشريعة بالأطلس البليدي.
والقصة في عمومها جولة في فضاء الطبيعة تربط الصغار بجمال الطبيعة.
3. قصة اليتيمة:
تدور أحداث هذه القصة بمنطقة مليانة وتحديدا في مدرسة (وادي الريحان).
تحكي فقر، ومرض الطفلة سميرة الفقيرة التي يجعلها الخجل من ثيابها الرثة أمام زملائها تنقطع عن الدراسة وتمرض، وبعد تلك المساعدة التي تقدم لها تعود إلى مدرستها وتصر على مواصلة الدراسة وتنجح وتتخصص في الطب البيطري. إن الفكرة التي يقدمها الكاتب بسيطة وعلى الرغم من بساطتها تزرع الأمل والإصرار في نفوس الأطفال من أجل تحقيق الأحلام الطفولية، وخاصة في مجال الدراسة. والقصة تحمل مدلولا إنسانيا وتربويا يجعل الطفل يصرّ على النجاح في الحياة. إن الكاتب في هذه القصص يتعمد توظيف بعض أسماء أطفاله (رؤوف، عمر) بدافع ذكي، كي يجد كلّ واحد منهم معنى بالمحافظة على طاقته خارج إطار التوظيف القصصي، ولعلّ كل اسم من هذه السماء هو رسم لكل طفل جزائري معنى بالفعل ذاته.
ويظلّ أسلوب الكتابة عند رابح بسيطا يوصل الفكرة المستهدفة في كتابة كل قصة، والتي تجعل الطفل يحاول التصارع مع الفكرة بالقبول والرفض، وتظل القصة عند خدوسي بسيطة في شكلها قوية في مضمونها وبعفوية الطفل الكاتب يحاول أن يصل إلى قلوب الصغار، تلك الأفكار الهادفة والمحببة.
ب. مسرح الطفل:
– صيحة الحرية:
عمل مسرحي موجّه للصغار ولعلّه العمل الوحيد موجه في تجربة الكتابة المسرحية عند الكاتب رابح خدوسي، وذلك ما يجعلنا نتعامل معه بحرص شديد من حيث الشكل والموضوع والأحداث التاريخية.
والمعروف في التجارب المسرحية الموجهة للصغار، أنها تعتمد على تقنية البناء التي تظل فيها اللغة العنصر الأساسي أما الحدث التاريخي فهو مكمل لها.
هذه التجربة التي تأتينا بسيطة من حيث تقنية البناء ومن حيث التوزيع التقني(المشهد) ثم (الفصل). وفي كثير من الأحيان يكون الفصل جامعا لعدة مشاهد تنوع فيها الأدوار وتتقاسم فيها الأشخاص الدور البطولي التي يريد الكاتب طرحها.
كما أننا نجد هذه التجربة تحتاج إلى تتمة، فلا يعقل أن يقرأ الطفل نصف مسرحية ليتابع تتمتها في جزء ثان.
إن الكاتب يحاول أن يطرح فكرة احتفاء الإدارة الاستعمارية بالذكرى الأولى لاحتلال الجيش الفرنسي للجزائر، وذلك كما في قوله:
الضابط:
«- فرحتكم كبيرة بهذه السماء الزرقاء والأرض الخضراء التي سيرثها بعدكم أحفادكم عن أبنائكم، وإني أهنئكم مسبقا باسم الحكومة الفرنسية بالذكرى الأولى لعيد الاحتلال 1830».
وتظلّ مساحة المسرحية خالية من الأحداث اللهم إلاّ تلك الأحداث التي تسكن الحوار الدائر بين الضباط الفرنسيين وهم يركّزون على عامل التمتع بالمناظر الطبيعية وأكل اللحم المشوي (لحم الخراف والأرانب والديكة)، وهذا مقطع نورده على لسان الضابط بوجو وهو يقول:
«نعم يا سيدي مورا كما تعرفون أن زوجتي العزيزة (ينظر صوب امرأة بجانبه) تهوى صيد الأسماك وصغيرتي يروقها(البرونزاج) على رمال الشاطئ طوال العام».
إن الكاتب يستخدم كلمة (البرونزاج) دون تعريبها أو تعويضها بعبارة، (التسمر) تحت أشعة الشمس مثلا، كما يعتمد الكاتب على استخدام الرمز حينما يذكر كلمة المشويات، لحم الأرانب ولحم الديوك، وإذا سلمنا بمفهوم هذه الرمزية التي نفهمها، تعني أبناء الشعب الجزائري، فهـــل يتـــوصل الطفل إلى هذا الفهم عند مستوى ما يملأ البطن؟ وهو يظن أن الاستعمار الفرنسي جاء إلى الجزائر في جولة سياحية قد لا تستدعي طول تلك المدة التي تجاوزت قرنا ونصفا من الزمن.
إن الكاتب لم يفصح عن تلك الخلفية الاستعمارية التي ظل يخطط لها سوستال وقايار وجرمان وماريوس ومورا وغيرهم، كما لا يفهم الطفل سرّ نجاة الديك المقصود ذبحه بين أيدي الغزاة، إذا تسنى لنا نحن الكبار فهم القصد من خلال العنوان (صيحة الحرية).
وهنا أجد نفسي أمام عمل يصلح..، من خلال تلك الرمزية التي تصعب على الطفل (الفتى) فك معادلاتها الدلالية على مستوى النص، وعلى مستوى شخصيات النص.
وفي النهاية يشير الكاتب بعبارة يتبع، فما الذي يجعل الطفل يتبع القادم الذي يأتي، وأقول حرصا على مستوى الكتابة الموجهة للطفل، ورابح خدوسي.. من كتاب أدب الطفل في الجزائر، هذه محطة وقفناها مع النص… إبداعيا، فماذا يخبئ لنا النص الذي هو ملك للذاكرة شعبية، الذي ظل ارثا شفاهيا.. لعب فيه مخيال الحكي دوره التاريخي على ألسنة العجائز (الجدّات) …ذلك ما نراه في موضوع الحكايات الشعبية.
الحكاية الشعبية
الحديث عن الحكاية الشعبية في الجزائر أوفي الوطن العربي لم يكن عاملا متفردا في مجال النص القصصي، وإنما ظاهرة عامّة عرفتها الشعوب منذ القدم، وحاولت الحفاظ عليها بالرواية والمشافهة، وهي تعدّها ضمن تراثها الحضاري المحفزّ لبناء شخصية الشعوب، وتنشئة الأجيال تنشئة لها صلة بالأجداد، وبماضيهم العريق، وبما عرفوا به من شجاعة وكرم وبطولات وأمجاد، وفي الجانب الآخر من محن ومعاناة وصبر في أوقات الشدائد والمحن، وفي هذا الشأن يقول الدكتور هادي نعمان في كتاب ثقافة الطفل ص199:
“ومن بين الآثار الأدبية الشعبية ذات التأثير الكبير في حياة الناس، والتي حاول بعض الكتاب صياغتها في بعض الحكايات على غرارها حكايات.. البانجا تنترا وخزائن الحكمة الخمسة، أو الأسفار الخمس، وهي حكايات هندية قديمة، ترجمت إلى العديد من لغات العالم، وكانت تلك الحكايات تستهدف غايات علمية، وكانت حكاياتها منشورة، وأما أمثالها وحكمها فقد كانت منظومة، وقد وضعت ما بين (1000- 500 ق.م) باللغة السنسكرتية، ونقلت لأول مرة إلى اللغة البهوية”.
والرحلة نفسها عرفتها الحكاية الشعبية في الوطن العربي عامة وفي الجزائر خاصة.
وهذا صديقنا الكاتب رابح خدوسي يحاول إعادة الحياة المقروءة لتلك الحكايات الشعبية الجارية بدل الاعتماد على المشافهة، فنجده يقدّم لنا تلك الحكايات الشعبية بلغة بسيطة، تعتمد على أسلوب السرد، ويلعب فيها الراوي دوره من أجل توصيل المروي إلى القارئ والمستمع في آن واحد، وخير دليل على ذلك نجد الجدة (زينب) التي تقوم بدور الراوي في كل من قصة الأميرة السجية والفرسان السبعة، وبقرة اليتامى، ويحاول الكاتب أن يطعم لغته ببعض الجمل والألفاظ العامية على لسان الجدة (زينب).
والقارئ يكون أكثر تيقظا، أو أكثر حذرا مما يقرأ، فهو يظلّ يسلم لك المقروء الأسطوري أو الخرافي الذي يعيده دائما إلى الماضي السحيق.
إن قصة الفرسان السبعة، هي قصة تقوم على عامل القوة والخطف، الذي يقوم به أفراد العصابة، وتتزوج الأخوات السبعة، ويظل الصراع قائما حتى النهاية. وعلى لسان الجدة زينب، تأتي الحكمة القائلة: “لا تأتمنوا رفقاء السوء جانبا”. وهي بذلك تقدم نصيحة من ذهب للصغار حتى لا يقعوا في شر أعمالهم، ولعلّ ذلك يكون مقبولا إذا كانت النصيحة من الجدة وفي قالب قصصي ممتع.
أما عروس الجبال، تلك القصة التي تجسد تلك الحقيقة الخيالية بين سكان منطقة الأوراس، المتمثلة في شخص “عائشة” ملكة الجمال والسحر الأخاذ(الأم الحنون)، والتي تحصل على البيضة الغريبة التي يخرج منها الثعبان، ويهاجم سكان القرية، ثمَّ ينتصرون عليه، ويحاولون التخلص من الشيخ بوراك، وهم يتّخذونه تجربة، قصد شرب ذلك العسل الذي حصلوا عليه، وتصدق نية الرجل، ويعود إلى شبابه من جديد، ويشترط في قبول اعتذارهم له الزواج من “عائشة”، ويتزوجها، وتنجب منه أبناء، ولكنّه يطلّقها ويتزوج “توبة”، وبعد موت الرجل، يشتد الصراع بين الأخوين، وفي النهاية، يتوحد الأخوة ضد الدخيل المستعمر، فيقومون بمحاربته، وهنا تنتهي القصة، وهي تقوم من البداية إلى النهاية على عامل السرد، مع قليل من الحوار الدائري بين عناصر الشخصيات داخل القصة، ورغم ذلك فإنّها تجعل الطفل يسافر في أجواء الماضي المجيد.
أما قصة “لونجا” وهي قصة تلك الفتاة رائعة الجمال، التي ترويها حجيلة”.
التي تشهد ذلك الصراع بين الخير والشر، وتحاول تلك العجوز أن تلقي بكلمات لها أثر في قلب الأمير “زهار”، قصد الوصول إلى “لونجا” وينجح الأمير في الدخول إلى قصر لونجا وهي تدلي إليه بضفائر شعرها ليصعد إليها في القصر.
ولعل طول الشعر هو الأمر المبالغ فيه في كل من قصة لونجا وقصة الأميرة السجينة، وبين القصتين تشابه قريب من حيث الوصف والأحداث، غير أن الكاتب يبدأ قصة الأميرة السجينة بقول الراوي(البراح)، وهي كلمة عامية تعني (الحكواتي)، حيث يقول:
-“يا ناس… يا سمعين… يا صغار…الملاح، يوم في الأفراح، وعشرة في الأفراح..”، كما تدور أحداث هذه القصة حول تلك الفتاة الجميلة التي يشترط والدها أغلى مهر لها، وهو امتحان الخاطب… وتظل هذه القصة تغرق في دائرة العامية القائلة “الكبدة حنينة، قلبي على وليدي”، وتنتهي بالزواج من ذلك الشاب الذي يكون مع الإخوة السبعة.
أما قصّة بقرة اليتامى فتدور حول أحداث الطفلين ظريف ومرجانة، اللذين فقدا أمهما ولم يبق لهما إلاّ تلك البقرة يرضعان منها، وتغتاظ زوجة الأب وتأمر بأن يبيع الأب البقرة، فيلبي طلبها وعند عودته من السوق تطلب منه أن يحضر لها (القرنين والضرع) من عند الجزار، وتدفنهما بقبر الضرة، وفي الصباح يذهب الولدان إلى القبر يشتكيان لها ما حدث لهما، فيجدان نخلتان تدلتا بعراجين التمر، إن الكاتب ظلّ محافظا على الرواية الشفوية من خلال النص. فقد حاول أن يرمم الذاكرة الشعبية ويدخلها في نص أدبي مقروء بلغة محببة لدى الصغار، والكاتب يحاول دائما أن يحافظ على ذلك الأسلوب البسيط الذي لا يخلّ بسرديات الحكاية.
عموما تبقى تجربة الأديب رابح خدوسي مع التراث تجربة موفقة انطلاقا من النص والمغزى العام في القصة.
وخلاصة القول إن الكاتب رابح خدوسي يحاول أن يجمع بين الكتابة للكبار في مجال القصة القصيرة، كما في مجموعة القصصية “احتراق العصافير”، وفي المجال الروائي كما في روايته “الغرباء”، وبين الكتابة لقصص الأطفال.
أقول هذا وأنا أدري جيدا قدرة الكاتب خدوسي على الكتابة الموجهة لطفل، هذه الكتابة التي هي في الحقيقة أصعب التجارب في مجال إبداع النص الأدبي على العموم، والأديب رابح خدوسي من أولئك القلائل المهتمين بأدب الطفل، بل لعله الوحيد الذي اهتم بالحكاية الشعبية وحاول تأطيرها في نص إبداعي بأسلوب خاص، حرص فيه على نقل التفاصيل وحركة الشخوص والأبطال دون تقصير أو تغيير.
إنها تجربة كاتب يحاول أن يقدم أعماله للطفل في الجزائر وفي الوطن العربي. وهو يعتمد على الجانب التربوي مراعيا جوانب اللغة عند الطفل، ومراعيا تلك الجوانب النفسية التي يعيشها الطفل في مراحله الأولى من الحياة.
إن تجربة الكاتب رابح خدوسي تظلّ بصمة خاصة في عالم الكتابة للطفل تنازعها تجارب أخرى عند الكاتب واهتمامات نأمل ألا تستحوذ على طاقة الكتابة الموجهة للطفل، كما نأمل أن تكون هذه التجربة إضافة جادة وجديدة في دعم ثقافة الطفل في الجزائر.