قراءات

صلاح نقاب يحرك حروف العلة

كتاب ما قبل وما بعد تحريك حروف العلة للكاتب صلاح إنقاب

دخول

قابلت صلاح إنقاب، بداية على شبكة الإنترنت، من خلال منشوراته على (ليبيا وطننا)، ومن بعد عبر صحيفة (ميادين)، لتكون منصات التواصل وسيلة للقاء شبه الدائم، من خلال منشوراته على الفيسبوك، وإن لم نتحدث إلا عبر التعليقات أو الرسائل.

ولا أخفيكم إعجابي بلغته وأسلوب كتابته لمقالاته، وطريقة في ترتيب الأفكار، ونقاشه لها وعرضه للنتائج، وإن كان كثيراً ما يعمد إلى ترك الباب موارباً، بنية إثار ذائقة القارئ للتفكير.

وها أنا أنتهي من إصداره الأول، المتمثل في كتابه (ما قبل وما بعد تحريك حروف العلة)، الصادر في العام 2021م، عن مكتبة الكون، طرابلس – القاهرة. والذي ضم 53 مقالةً، في 273 صفحة.

مسائل أساسية

تناقش مقالات الكتاب ثلاث مسائل أساسية هي: الهوية، المواطنة، الدين، من منظور فكري يعمد إلى اجتراح الأسئلة والنقاش محاولة للوصول إلى الإجابات، ومحاولة تحريك الساكن وإثارة الراكد من الأفكار. وبالتالي تدخل ضمن هذه المرتكزات الثلاث مجموعة من المسائل الفرعية، كالدولة، التعددية على مختلف مستوياتها، والتعايش السلمي، وما يجمع هذه المسائل، هي ليبيا.

القارئ للكتاب سيكتشف انحياز الكاتب لأصوله الأمازيغية، لتكون هي مفتاح الهوية، ومدخله للإجابة عن سؤال: من أنا؟ لكن هذا الانحياز، هو انحياز الواعي بحقيقة وجوده ضمن جغرافيا وتاريخ ومجتمع متعدد الثقافات، وليس انحياز المتطرف، وهذا يحسب للكاتب، الذي وهو في عرضه لتاريخ الأمازيغ كسكان أصليين -على سبيل المثال- لا يرفض التحول الديموغرافي الذي طرأ على المكان عبر التاريخ، وما لحقه من تغييرات اجتماعية. وفي ظني إن مقالته (لا أحد حقاً يكترث – رسالة مفتوحة إلى المجلس الأعلى لأمازيغ ليبيا)، تلخص رأيه في هذه المسألة، وأبعاد حضورها.

وهو يناقش هذه المسالة من باب التعددية، كأحد أوجه التنوع الثقافي الذي يُكسب ليبيا تميزاً، من المهم الاستفادة منه على جميع الأصعدة، وبخاصة التجربة السياسية، في تقبل الآخر والجلوس للحوار والتعايش السلمي بين مكونات المجتمع. كما ويناقش أيضاً عقلية المجتمع الليبي، والثقافة الليبية، وهو ما تكشفه مجموعة من المقالات، منها مقالته المعنونة (رسالة مفتوحة إلى الشعب الليبي العظيم) والتي يعمد فيها بمعوله إلى نكش العقلية المجتمعية الليبية من داخلها، وضرورة التحرك بديلاً لحالة السكون -الصمت- التي يعيشها.

ميزانُ العقل

خلال تصفحك لموضوعات الكتاب، ستكتشف أسلوب الكاتب في كتاباته مقالاته، حيث يبدأ من نقطة يطرح من خلالها فكرته، ثم يأخذنا خارج هذه النقطة، إلى موقع الرصد، لرصد كل ما يحيط بهذه الفكرة ويتماس معها، ثم نزولاً إلى طاولة النقاش وتبادل الأفكار، واستعراض المصادر والمحاججة، ثم إلى عتبة النتائج والإجابات. وهو حتى في مقالاته ذات الطابع القصصي، يعتمد ذات التقنية، إضافة إلى عناية واضحة في اختيار المفردات والاهتمام باللغة ومعانيها، بحيث لا يحتمل النص التأويل، إنما يقصد إلى هدفه مباشرة.

هذا الميزان العقلي، يخضع به الكاتب حتى ما يتعلق بالدين، فهو على سبيل المثال في مقاله (عن الوصول إلى منتصف الطريق – القرآن عالم بذاته)، والذي جاء في أربعة أجزاء، يناقش مسألة النص القرآني بمنطق تحكيم العقل، الذي يعتمد القراءة، التحليل، الاستنباط، في محاولة لوضع خطة أو منهج لقراءة النص القرآني وفهمه. وهذه المقالات الأربع تستحق القراءة، وأن يعمد الكاتب إلى تطوير فكرته إلى كتاب منفصل.

ختامًا

يكشف هذا الكتاب موسوعية قراءات الكاتب صلاح علي إنقاب، وتنوع اهتماماته، وهو ما يجعله يؤسس حضوره، ويدعم كتاباته، إضافة إلى انشغاله بهموم مجتمعه، لذا فهو قد يكون قاسياً -أحياناً- فيمضي بمبضعه عميقاً في الجرح، ويكون متسامحاً فيغفر الزلل، ويتغافل عنه، مع الحفاظ على مستوى ثابت في الكتابة وعرض الأفكار.

كتاب (ما قبل وما بعد تحريك حروف العلة) للكاتب صلاح علي إنقاب، كتاب يستحق أن يكون موجوداً في مكتبة كل مهتم بالمجتمع الليبي، اجتماعياً وثقافياً وسياسياً، وفي كل مكتبة، لتميزه بالتحليل المنطقي المحايد، الحاث على الحوار والتفكير.

باختصار، هذا الكتاب صدر لتحريك الراكد في المجتمع الليبي.

مقالات ذات علاقة

رواية الكشف

رامز رمضان النويصري

وقفاتٍ مع التعليم في ليبيا

عبدالعزيز الزني

قراءة في «أسطورة البحر»: لا سكاكين في طرابلس

المشرف العام

اترك تعليق