أخبار

قصيدة (ما بي مرض) باللغة الإيطالية

إعداد وترجمة: أحمد الغماري

ديوان للشاعر الشعبي الليبي رجب بوحويش، بعنوان (رجب بوحويش ما بي مرض، قصيدة من العقيلة) بالإيطالية
ديوان للشاعر الشعبي الليبي رجب بوحويش، بعنوان (رجب بوحويش ما بي مرض، قصيدة من العقيلة) بالإيطالية

صدر في شهر فبراير المنصرم عن “فاندانغو ليبري” الإيطالية، وهي العلامة التجارية لمجموعة “فاندانغوا” المستقلة للنشر، ديوان للشاعر الشعبي الليبي رجب بوحويش، بعنوان (رجب بوحويش ما بي مرض، قصيدة من العقيلة) يحمل في طياته قصيدته الشهيرة (مابي مرض غير دار العقيله) التي ألفها وهو في معتقل العقيلة، وقام بعض مرافقيه في المعتقل بتدوينها ونقلها عنه شفائية. وجاءت القصيدة التي تتحدث عن سوء الأحوال والمعاملة التي لقاها المحتجزون داخل المعتقل، في حوالى 70 بيتاً، إلا أن شعراء آخرين قد أضافوا إليها بعض الأبيات من عندهم.

وقام بنقل القصيدة إلى اللغة الإيطالية كل من المترجم ماريو إلينو والمترجمة مانويلا موسيه، عن الترجمة الفرنسية التي قام بها الكاتب الليبي كمال بن حميدة وصدرت عن دار “إليزاد” التونسية للنشر في أكتوبر 2014، تحت عنوان (كتاب من معسكر العقيلة: كلمات المنفي). 

وجاء في توطئة الديوان الذي ترجم إلى الإيطالية والتي نشرت في الموقع الإلكتروني للدار ما يلي: “كان القلم والورق ممنوعين في معسكر الاعتقال الفاشي العقيلة، الكائن في ليبيا جنوب غربي إقليم برقة على الساحل الشرقي لخليج سرت. لقد أجبر المعتقلون النساء والأطفال وكبار السن والأولاد على قطع مسافة أربعمائة كيلومتر سيراً على الأقدام لكي يصلوا إليه تحت حرارة الصحراء المرهقة.

لكن ثمة رجال شجعان، حاربوا وقاوموا، هجمات الطيران، وغاز الخردل، والرصاص، والقنابل التي ألقيت على القرى، برغم نقص المياه وردم الآبار بالإسمنت، تبعاً لسياسة الدمار والإبادة الفاشية. لقد كان من بين هؤلاء شاعر، إنه الشاعر رجب بوحويش، الذي كان معتقلاً وراء الأسلاك الشائكة والحراسة المشددة التي تصوب الرشاش عند كل مدخل، كان خلف الأطلال والعنف، منفياُ في وطنه، متخندقاً وراء صوته، مؤلفاً من الذاكرة، قصيدة من ثلاثين بيتاً، ناقلاُ إيها شفاهية للسجناء الآخرين، لتقوية روح المقاومة، كما لو أنها سلاح يبقيهم على قيد الحياة، مقتفياً أثر أي تعذيب يلحق بشعبه. إنها قصيدة بمثابة الملاذ الأخير، للهروب من الرمال ومن النار ومن الاعتداء العبثي ومن الموت. بذلك البيت الشعري الذي يعيده في كل مرة كما لو أنه دعاء ولعنة: ما بي مرض.

لقد تلاشت آماله في استعادة أرضه، بعد أن أدين عمر المختار زعيم حركة المقاومة المسلحة للقبائل، من قبل محكمة (هي دمية في يد السلطة) وحكم عليه في 16 سبتمبر 1931 بالشنق أمام عامة الناس بالقرب من مدينة بنغازي، ولذا هجى رجب بوحويش، بغضبٍ وكربٍ الإبادة الجماعية التي شهدتها ليبيا، والتي ارتكبتها إيطاليا الفاشية.” ومن بين السجناء الذين ألقى عليهم بوحويش قصيدته كان إبراهيم الغماري المثقف الذي نجا من معتقل معسكر العقيلة سنة 1934، وقام بعد خروجه بتدوين القصيدة بدقة ولعب دوراً أساسياً في نقلها.

وقد كتب الصحفي واستاذ الأدب الحديث في الجامعة الحرة للغات والتواصل IULM بميلانو أنطونو اسكوراتي مقدمة للديوان تحت عنوان (ذلك الذي لا نريد معرفته) استهلها بجملة كانت ضمن رسالة أرسل بها إميليو دي بونو، وزير المستعمرات في العهد الفاشي إلى بيترو بادوليو، الحاكم للمستعمرة الليبية، يقول فيها: “في رأيي أن نلجأ إلى معسكرات الاعتقال.” ويضيف الكاتب أن الرسالة كانت من أجل ثني المحاربين السنوسيين الذين كانوا تحت قيادة عمر المختار بطل المقاومة في إقليم برقة، ولذا كان عليهما اللجوء إلى أكبر عملية نفي جماعية في تاريخ الاستعمار الأوروبي. وكان الأثنين يدركان خطورة هذه الخطوة باعتبارها أنها قد تؤدي إلى هلاك سكان المنطقة جميعاً.

وأشار الكاتب في السياق ذاته إلى الرسالة التي بعث بها بيترو بادوليو في 20 يونيو 1930 إلى غراتسياني يقول فيها: “ما هو الخط الذي يجب أن نتبعه؟ من الضروري في البداية وضع فاصل إقليمي، يكون كبيراً ومحكماً، بين التشكيلات المتمردة والسكان الخاضعين. فأنا لا أخفي عليك حجم وخطورة هذا الإجراء الذي سيعني هلاك من يسمون بالسكان الخاضعين. ولكن، على أي حال، لقد تم رسم الطريق، وبالنسبة لنا، علينا أن نتبعه حتى النهاية، ولو هلك سكان برقة جميعاً.”

ونوه الكاتب إلى أن المخيلة الإيطالية حالياً تذهب – عندما يتم التطرق إلى معسكرات الاعتقال – نحو الأسلاك الشائكة بمعسكر (أوشفيتز بيركيناو) في بولندا الذي أقامته ألمانيا النازية، أو إلى مأساة اضطهاد اليهود والمحرقة. مضيفاً أن قلة من الناس يعرفون، أو أنهم يتظاهرون بأنهم لا يعرفون، أنه قبل الرعب النازي بفترة طويلة، كان الفاشيون الإيطاليون هم من بنوا تلك المعتقلات في المستعمرة التي كانوا يُطلقون عليها غروراً اسم الإمبراطورية الإيطالية. مؤكداً على أن معسكرات الاعتقال في برقة شكلت نقلة نوعية في تنفيذ سياسة الاضطهاد من قبل النظام الفاشي.

وتطرق الكاتب في ختام تقديمه للديوان إلى مشكلة عدم تعامل الإيطاليين مع تاريخهم الاستعماري، بالكيفية التي تجعلهم يتعرفون على مسؤولياتهم إزاء ذلك التاريخ، وعلاقته بالحاضر وبهوية إيطاليا الحالية. مؤكداً على أن معرفة الإيطاليين بأنهم كانوا مستعمرين وفاشيين وغزاة وعنصريين في الماضي القريب، سوف يساعدهم على فهم من هم اليوم، ما الذي يريدونه، وما يمكن أن يكونوا عليه في الغد. مُرحباً في النهاية بالترجمة الإيطالية لقصيدة العقيلة التي اعتبرها أنها شهادة إنسانية وسياسية لتاريخ المقاومة في العالم.

تجذر الإشارة إلى أن مجموعة “فاندانغوا” المستقلة للنشر تعمل في مجالات الإنتاج الثقافي والإعلامي وهي تهتم بنشر الأدب والتاريخ الأجنبي وترجمته إلى اللغة الإيطالية.

مقالات ذات علاقة

أمسية ثقافية خاصة عن الشاعر الراحل إدريس بن الطيب

مهند سليمان

جريمة إتلاف المعلومات في الكتاب

المشرف العام

أحمد إبراهيم الفقيه في ذمة الله

المشرف العام

اترك تعليق