المقالة

غياب المنهـج

من أعمال التشكيلية الليبية .. مريم العباني
من أعمال التشكيلية الليبية .. مريم العباني

الكم الكبير من المقابلات التلفزيونية والبرامج الليلية على الفضائيات الليبية تستضيف أشخاص يقدمون للمشاهد عبارات مكررة وأفكارا سبق للجميع الاستماع إليها وترديدها.

قاموس من العبارات والأفكار المكررة يردده الجميع، وهو يعبر بكل بساطة عن غياب الفكر، حيث يكرر الجميع العبارات الجاهزة ليظهروا بمظهر العارفين بمجريات الأمور.

في هذا الصدد يقول الكاتب التشيكي ميلان كونديرا (البلاهة لا تعني الجهل ولكنها تعني “اللا فكر” الذي تحتويه الأفكار الجاهزة).

لعبة الظهور والاختفاء بين الفكر و(اللا فكر) لعبة قديمة مرت بمراحل عديدة في التاريخ الإنساني، حيث كان الفكر في مراحله الأولى معنيا بتأسيس (المنهج)، لكن الفكر الذي أسس المنهج وحاول أن يضع خطوطا واضحة (لرحلة العقل في تكوين المنهج) وقع في مرحلة لاحقة في مصيدة المنهج ذاته، حيث استطاع المنهج أن يحصن ذاته بالكثير من الأوهام، لم يستطع الفكر أن يتجاوز هذه الأوهام إلا بدخوله لمرحلة (النقد).

في مرحلة النقد مارس (الفكر) النقد لطرد الأوهام عن المنهج وتصحيح الوعي المغلوط الذي كان يعج به المنهج والذي صار فيما بعد أنواعا من الايدولوجيا تهيمن على عقول الناس لتصنع لديهم أسلوبا في الحياة.

اللا فكر هو السائد على شاشات التلفزيون الليبي حيث يجبر المشاهد لساعات طويلة على متابعة أحاديث يردد فيها ضيوف البرامج السياسية أنماط معينة من الحديث وعبارات مستهلكة لا تفيد المواطن برأي محدد أو تصنع موقفا معينا.

كل الضيوف يقدمون النصائح للمشاهد وينسون أنفسهم، المتسلق يشتم المتسلقين وطرقهم الوضيعة في الوصول للمناصب القيادية بعبارات صار يحفظها الجميع، والسارق يشكو مر الشكوى من عمليات النهب المستمرة للمال العام وقد ضيع هو وأمثاله مئات الملايين من الدينارات ولكنه يضع اللوم دائما على الآخرين.

يبقى السؤال الهام إلى متى يغيب المنهج عن حياتنا الليبية؟ ومتى تقدم الفضائيات الليبية فكرا حقيقيا يعبر بنا إلى مرحلة جديدة في طريق بناء الدولة الليبية الحديثة؟

مقالات ذات علاقة

الكاتبة تتحول لامرأة برية متوحشة!

رزان نعيم المغربي

هذا الجمل و ما حمل

قيس خالد

جدليات فكرية فلسفية – ديالكتيكاياتي (100/40)

حسن أبوقباعة المجبري

اترك تعليق