الطيوب
متابعة وتصوير / مهنّد سليمان
نظمت لجنة التراث اللغوي والأدبي بمجمع اللغة العربية بطرابلس ورشة عمل فكرية وذلك بمناسبة يوم المخطوط العربي، صباح يوم الخميس 31 مارس الجاري بقاعة اجتماعات المجمع، وقد شارك في الورشة نخبة من الأستاذة والأكادميين المُحاضِرين بالجامعات الليبية، وأدار وقدم الورشة الدكتور “عبد الستار العريفي بشيّة” الذي أكد في كلمته الافتتاحية أن يوم المخطوط العربي في الأول من إبريل جاء للتوعية بأهمية المخطوطات على المستوى الإقليمي منذ انطلاقه في عام 2013م برعاية المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم (الألكسو) ودعت الدول العربية وبعض الجهات الثقافية للاحتفال به، مُوضحا بأن الهدف من الاحتفاء بالمخطوط العربي هو بغية إخراج تناول الكتاب المخطوط والتراث المعرفي من قاعات الدروس الأكاديمية والتخصص الضيق إلى فضاء أوسع يصل للجمهور بمختلف شرائحهم، كما ألقى الدكتور “عبد الحميد الهرّامة” رئيس المجمع كلمة بالخصوص مُثنيا على اختيار القائمين بلجنة التراث اللغوي لموضوع هذه الورشة لما يقدمه هذا الموضوع من خدمة للمحققين الجدد تتضح بها تجارب الأستاذة المتميزين والمدارس المتخصصة في مجالات دراسة التراث وتحقيقه، وتطرق في سياق متصل لأبرز مراكز المخطوطات في ليبيا معددا ما تعانيه أكثرها جراء الإهمال ما أدى بها للتلف والتشويه لافتا إلى أنه ينبغي الوضع في الاعتبار ضرورة المحافظة على المخطوطات قبل التفكير في تحقيقها ودراستها.
وشارك الدكتور “محمود علي كعبور” الأستاذ بقسم المكتبات والمعلومات بكلية الآداب جامعة طرابلس بورقة بحثية بعنوان (المخطوطات في ليبيا)حيث أوضح فيها أن الاهتمام بالدراسات الإسلامية في ليبيا انطلق منذ وقت بكر ليتزامن مع الفتح الإسلامي عام 21 للهجرة وعاشت المنطقة دورها الثقافي والتعليمي باعتبارها حلقة الوصل الرابط بين المشرق والمغرب العربي مشيرا أنه توالى تشييد المساجد في مختلف مدن وقرى الأراضي الليبية وتميز المسجد بمنزلة مرموقة داخل المجتمع المحلي الليبي فأصبح مكانا للعبادة والتعليم وأضاف الدكتور كعبور أنه وبمرور الزمن شهدت حركة التعليم ازدهارا كبيرا في التأليف والنسخ فتضمنت العديد من المخطوطات في شتى العلوم بالإضافة لظهور رابطات مراقبة العدو ولفت الدكتور كعبور للدور الطليعي الذي كانت تمارسه الزوايا في نشر التعليم الديني والعلمي مضيفا بأن المكتبات الليبية تحتفظ بتراث فكري مخطوط يغطي كافة العلوم التخصصات ويمتد لعصور ويتابع إلا أنه كثير منه تأثر وتبعثر في أماكن متعددة وتبدد جمعه ما عرّضه للإتلاف والضياع وأعزى الدكتور كعبور ذلك لمرور فترات من عدم الاستقرار على ليبيا على مختلف الأحقاب والعصور.
وتناول الدكتور “عاشور محمد الشيخي” مسألة تأثر المخطوطات بحكم تكوينها بالظروف الطبيعية المحيطة بها بفعل عوامل التقادم الزمني عبر ورقته البحثية المعنونة(صيانة المخطوطات وترميمها)كذلك إشارتها للعوامل الكيميائية والبيولوجية التي تؤثر على المخطوطات من الجانب المادي ناهيك عن السلوك الإنساني من خلال التعاطي معها مؤكدا أنه لا يمكن الاستغناء عن المخطوطات كونه يصعب تعويضها إذا ما فقدت أو إستبدالها بغيرها رغم ما توفره التقنيات الحديثة من النسخ المصورة لذلك حسب رؤية الدكتور الشيخي يكتسب المخطوط الأصلي بالمكتبة أهمية خاصة لا غنى عنها، كما عرّج الدكتور الشيخي لمشكلة وصيانة المخطوطات معللا أسباب عدم وصول ملايين المخطوطات العربية والإسلامية لتعرض الكثير من المخطوطات أثناء الحروب والنزاعات المتكررة في العالم الإسلامي ضاربا مثلا بما أحدثته جيوش التتار بالمخطوطات بمكتبة بغداد في العراق عام1258م ومآلت إليه المخطوطات من ضياع عقب سقوط غرناطة بالأندلس.
وأوضح الدكتور “عبد السلام الهمالي سعود” في ورقته المعنونة (ثقافة المحقق وأدواته) أن تحقيق النصوص المخطوطة لا يقتصر على جمع مخطوطات كتاب معين ونقدها والمقابلة بينها وإضاءة النص المحقق بتوقيق النقول بل الأمر يتصل بزاد علمي كبير يجمعه الممارس من سنوات دراسته ومطالعاته وسياحته العريضة في مجالات التراث الكثير والمتنوعة ويرى الدكتور سعود أن المحقق لابد أن يكون لديه اطلاع واع على أعماق فكر الأمة وقيمها الثابتة وشخصيتها الشامخة، من جانب آخر عدد أسباب نجاح عملية التحقيق وفق المنهج العلمي المحكم بأن يكون المحقق متصفا بصفات تؤهله إلى ولوج هذا المضمار الذي يكد الفكر ويُقذي العين ويفت العضد حسب تعبيره بالإضافة لتمكن المحقق من علوم اللسان العربي المختلفة معجما وصرفا ونحوا وبلاغة وعروضا.
فيما طرح الدكتور “عبد الله محمد الزيات” تحقيقا جديدا نشره حديثا بعنوان بـ(تعليقات زروق على أزجال الششتري) أو على المقطعات الششترية لأبي العباس، مستطردا فيه عن تعليق معناه اللغوي وربط شيء بشيء آخر حسب مصدر الكلمة لافتا أنه بعد القرن الرابع الهجري نجد من المصطلحات المتماهية مع التعليق أو التعليقة الشرح كما هو في الشأن في شروح الشعر الجاهلي وغيرها من الشروح في العلوم المختلفة في التراث العربي، وأضاف قد تعايش المصطلحان فيما بعد وتداخلا ولعل التعليق نوع من الشرح يختار فيه المعلق عبارات المصنف لنيطلق منها في بيان أمور عديدة أوحتها إليه عبارة المصنف مشيرا أن ما قام به الشيخ زروق في هذه الرسالة هو الانطلاق من بعض عبارات الششتري في بعض مقطّعاته ليتحدث في علوم التصوف وطرقة وآدابه وسلوكه وتطبيقاته موضحا بأن المقطّعات مفردها مقطّعة وهي تعني المجموعة من أنصاف الأبيات الشعرية ذات معنى محدد أو وزن خاص.
من جانبه شارك الدكتور “محمد عمر بن حسين”بورقة عنوانها (تحقيق المُجيد في إعراب القرآن المَجيد) متحدثا عن ظروف إنجاز تحقيق هذا الكتاب لمؤلفه “إبراهيم بن محمد الصفاقسي” وهو نتاج جهود مجموعة من البحاث بقسم اللغة العربية بكلية الآداب جامعة طرابلس ويحتوي الكتاب المُحقق على تاريخ نشأة إعراب القرآن مع النحو فوفق ما ورد في الكتاب أن النحويون الأوائل أقبلوا على كتاب الله يستنبطون منه أحكام النحو ويبنون عليه مبادئه ويُعربون آياته ويفسرون معانيه وأشار أن كتب كثيرة أحذت تظهر تتحدث عن لغة القرآن وإعرابه وتحليل معانيه وتوضيح مشكله وقد عرفت باسم معاني القرآن، مؤكدا على أن العلماء اللذين اشتغلوا بالكشف عن وجوه إعراب القرآن كان لهم اتجاهات مختلفة بعضهم اقتصر على إعراب مشكله وبعضهم عرض لإعراب غريبه وبعضهم أعربه كله، وبيّن بأن هذا الكتاب هو من الكتب التي تناولت إعراب القرآن كله فقد لخصه مؤلفه من تفسير البحر المحيط ودعمه من كتب التفسير والإعراب والنحو.
كما شرح الدكتور “رضا محمد جبران” في تحقيقه المعنون(تحقيق كتاب المقامة النخلية للنُّباهي)، أهمية الموضوع وأسباب اختياره له كون موضوع البحث يوضح السمة الموسوعية التي انتهجها العلماء الأوائل مثل أبو الحسن النُّباهي وينعكس ذلك في تأليفه للون أدبي رفيع معروف عند أهل زمانه يتمثل في فن كتابة المقامة وأضاف الدكتور جبران بأن أبرز ما يميز هذه المقامة هو أنها جاءت على لسان مؤلفها وخلت من أهم عناصرها وهم الشخصيات وحسب تصور الدكتور جبران هذه طريقة أقرب لفن الترسل منه إلى المقامات ما جعل القاضي النُباهي يبدع فيه أيما إبداع فهو ألف مقامته ووضعها نموذجا حيا يبرز ذاته ويعدد صفاته واتخذ من النخلة التي عدد فضلها وسماتها صورة عليه يستعرض فيها منزلته بكل ما أوتي من أدوات الكتابة، ولفت الدكتور جبران أن بحثه هذا يعرض لمؤرخ أندلسي موسوعي يعد من أعلام القرن الثامن الهجري ومضيفا أن هذا المؤرخ هو ممن جمع بين العقل والنقل من تراث الأمة وتميز بتأريخه لعصر برز فيه أعلام بتراثهم وثرائهم وذلك من خلال مؤلفاته العلمية.