تشكيل

معرض “هن” يكشف عن ارتباكهن رغم عدالة قضيتهن

معرض هن
معرض هن

لم تكن المعارض البصرية المختصة بفن التصوير الثابت (الفوتوغراف) التي تقام في مدينة طرابلس بالزخم الذي كانت تشهده المعارض المختصة بفن الرسم والصباغة الفنية. اليوم بالرغم من التحاق عدداً كبيراً من الشباب بمجالات التصوير الفوتوغرافي (الإبداعية والجمالية والتوثيقية والصحافية) بفضل تقنية التصوير الرقمي التي أتاحت للجميع استخدام آلة التصوير بسهولة والحصول على نتائج فنية باهرة، بعد أن كان هذا الأمر حكراً على فئة صغيرة في المجتمع الليبي، إلا أن ظاهرة إقامة المعارض المختصة بفن التصوير الفوتوغرافي لاتزال قليلة ويلف خطابها الفني غموضٍ بسبب غياب النقد الفني في هذا المجال. لقد أدى إلحاق تقنية التصوير الفوتوغرافي الرقمي مؤخراً بتقنية الهاتف الخلوي تزامناً مع ظهور مواقع التواصل الاجتماعي، إلى تحفيز الناس عامة على ممارسة موهبة التصوير الثابت والتقاط الصور السيلفي. وأضحت الصورة التي يلتقطها أياً كان (صدفة) لحدثٍ مهم تتصدر وسائل الإعلام الإخبارية في العالم وأمست الصورة المادة الأهم في الوسائل التعليمية الحديثة وفي وسائل الدعاية والترويج التجاري، ناهيك عن احتلالها قمة وسائل التعبير البصري المعاصر.

صورة من أعمال المصورة آية الحضيري
صورة من أعمال المصورة آية الحضيري

هذه المقدمة هي فقط من باب الدخول إلى الحديث حول معرض (هن) للصور الفوتوغرافية الذي أقيم في رواق دار الفنون بطريق السكة طرابلس، بمناسبة الاحتفاء بـ(اليوم الدولي للمرأة) الذي يصادف 8 مارس من كل عام. أقيم المعرض يومي 9 – 10 من هذا الشهر بمشاركة ثماني عشرة مصورة فوتوغرافية من ربوع ليبيا بصور التقطت بآلة التصوير الرقمي (ديجيتال)، كان جلّ مواضيعها محصورة “فقط” على إظهار حياة “الأنثى” في المجتمع الذي تعيش فيه من زاوية ما تعانيه من اضطهاد أسري أو من عدم مساواة اجتماعية (بين الذكر والأنثى) وأيضاً من زاوية المطالبة بالعدالة في تولي المناصب الإدارية والحرية الشخصية وغيرها من المطالب التقليدية التي تسعى لتحقيقها نساء العالم أجمع. وهذا ما سعت إليه منظمات المعرض – في اعتقادي – لمحاولة إبراز تلك المطالب والحقوق من خلال صورٍ عرضنها، لكنها خلت بشكل تام من أي أثرٍ للرجل في إطار صورهن الرقمية!.  

   ينبغي في مثل هذه المعارض ذات الرسائل والمضامين الفكرية والحقوقية أن يحرص القائمون على تنظيمها أن تكون التقنية المستخدمة في إخراج الأعمال الفنية في المستوى الفني الراقي، وأن يكون التنظيم العام للمعرض في المرتبة التي تخدم مضامين الرسائل والخطاب الذي تقدمه الأعمال المعروضة. إلا أنني لمست في هذا المعرض نقص في المعلومات (الضرورية) عن الفكرة المركزية التي تتمحور حولها رؤية المعرض والأعمال المعروضة، وأيضاً غياب البيانات الضرورية حول التقنية المستخدمة التي منها: (عنوان العمل الفني، المواد الفنية المستخدمة للطباعة، المقاس بالإضافة إلى سنة التقاط الصور الفوتوغرافية) لكي يتسنى للمتلقي أن يعقد مقارنة بين الصورة التي يشاهدها وبين التطور الفني لدى المصور، وأيضاً بين زمن الحدث الذي تبرزه وتفاعلاته على أرض الواقع. ولولا وجود (بطاقة معلومات) صغيرة تحت الصور الفوتوغرافية، التي حملت فقط صورة شخصية لصاحبة العمل، بالإضافة إلى ما يعرف بـ(كيو ار كود) لصفحتها في موقع الانستقرام، لما استطعتُ أن أتبين وأن أميز أحياناً بين صورة وأخرى لتشابه المستوى التقني ولاستخدام ذات الإخراج والورق في الطباعة، الأمر الذي زاد لدي الإحساس بغياب التمايز الفني والتفاعل الواقعي وسطوة الواقع الافتراضي والبدء نسيان التقاليد المتبعة في تنظيم المعارض الفنية.

صورة من أعمال المصورة سارا كمال
صورة من أعمال المصورة سارا كمال

بقدر ما يسعدني اليوم الأقبال الكبير والاهتمام من قبل الشباب على التصوير الفوتوغرافي وأتخاده خطاباً بصرياً ووسيلة للتعبير عن أفكارهم ورؤاهم، بالقدر ذاته يحزنني ما لمسته في الحديث الذي دار بيني وبين المصورة الشابة المشاركة في المعرض “سارا كمال” أبنة المصور كمال أبوزيد أحد أبناء مدينة هون، التي عبرت بمرارة خلال حديثها عما تشعر به من فجوة بين المصورين الرواد والمخضرمين وبين الجيل الجديد من المصورين الشباب الذين تنتمي إليهم، كاشفة عن جهلها – شبه التام – بالمحاولات الجادة من إنتاج بعض المصورين الفوتوغرافيين الرواد الذين منهم: المصور الراحل علي التومي والراحل أحمد السيفاو وأيضاً المصور الراحل فتحي عريبي ويوسف الختالي، علاوة عن محاولات بعض الرسامين الذين منهم: الفنان الراحل علي إرميص والطاهر المغربي والفنان علي مصطفى رمضان وغيرهم. مرجعة ذلك لعدم التواصل بين الأجيال ولغياب اللقاءات والندوات والمحاضرات الفكرية التي تجمع حول مائدتها الكبار والصغار من الفنانين. إن الفجوة التي تتسع من يوماً إلى آخر بين جيلٍ راحل وجيلٍ قادم هي المسؤولة عن الربكة التي لمستها في المعرض المذكور أعلاه، وهي التي جعلت من كل جيل يأتي إلى أي مجالٍ من المجالات الإبداعية يجد نفسه مضطراً أن يبدأ مسيرته من نقطة الصفر. وهي المسؤولة عن عدم وجود تراكم إنتاجي وإبداعي، فني كان أم أدبي. وهي يعد أن تكون حجر عثرة في طريق كتابة تاريخ موضوعي يغطي المحطات والمنعطفات المهمة في مسيرة الحركة التشكيلية والثقافية بشكل عام.

مقالات ذات علاقة

مغامرة الليبيات التشكيلية

منصور أبوشناف

دلالاتُ بابِ “إلهام” في “تداخل”

يونس شعبان الفنادي

المرأة . . أيقونة التشكيل الليبي 

ناصر سالم المقرحي

اترك تعليق