سبق و أن قدمتُ قراءة فائتة للأديب القاص محمد المسلاتي ، وهى تقع ضمن سلسلة من الكتابات الأدبية التي أدرجتها ضمن قراءة مجموعة كبيرة من الكتاب ، وضمن حزمة من كتب الأدب الليبي والتي أودُ التعريج عليها كنوع من التوثيق لمراحل الثقافة الأدبية في ليبيا .
والحقيقة أنك عندما تقرأ في كتابات القاص والأديب الكبير محمد المسلاتي .فإنك ستقرأ للمدرسة الواقعية ..فكتابات المسلاتي هى كتابات واقعية واضحة وضوح الشمس ..تكتب للحقيقة الموجودة والكامنة فينا وفي مجتمعاتنا الليبية المختلفة الامتزاج في ثقافتها وتعريجاتها
يقرأ المسلاتي لأفكار الروح بشكل خاص …ويتجول بنا في مدارات و أفلاك ليبية خالصة السمات ،موشومة بوشم العادات ، والتقاليد ،يشعرك بأنه شخصيآ تمازج مع حالاته القصصية فقرأ لنا أفكارها ،وترجم مشاعرها علي حقيقة وضعها ،و استغرق أفكار الذوات
والمشخصات في سيره القصصية ،وتقمصها بوجعها ،وعاش فرحها ،وتمازج مع نوبات ذعرها وبكائها ، وفرحها ، وسعادتها ،فصاغ لنا شخصياتنا نحن أنفسنا ..وأشعرنا أننا نحن من نكتب هذه القصص وليس هو .
وهذا ملموس جدآ في مجموعته {تفاصيل اليوم العادي } إنها تفاصيل متدرجة لونية …تصعد بدرجتها اللونية …فتضعنا أمام نسيج فكري ثقافي اجتماعي محبوك، من غزل الكاتب في خبرته القصصية ،والحياتية .
لايشكوك من ألم الواقع ووجع الحاضر في خاصرة الحياة الليبية .
ولكن يقرأ بوضوح كيفية التعايش اليومي …وكيفية التعاطي في الحياة بشكل خاص .
إن التلقائية في نصوص المسلاتي تأتي بكل دعة وهدوء ، تسحب القارئ نحوها ببساطة الكاتب في استعمال شخصوص حقيقين و أحداث قريبة جدآ منا ،فيترك القارئ يذهب لوحده وبدون أي شعور لفتح باب الولوج لأن يعيش هو الدور بنفسه .
هذه هى تفاصيل اليوم العادي بألوان معتركها اليومي ، بكافة أشكاله ، بمقالبها ،بمواقفها الشائكة .
سيرة ذاتية للحياة الليبية ، سيرة تترجم تفاعلات اليوم العادي في كل نسيج تشكل بحياة المجتمع المدنية بكل أطيافها .
يتنقل الكاتب في مجموعته بين طبقات المجتمع بداية من الـطفال إلى أكبر طبقة وهى الشيوخ والعجائز.
لايبدأ السيرة الذاتية لأبطاله بنمط معين …أو يسير على وثيرة واحدة إنه يغير أبطاله ،ونمطية اللون في قصصه ،فلا تقرأ كل قصة بنفس الاسلوب ،بل إنك قد تبدأ بالمنتصف ،أو من البداية ،أو من النهاية .
وهذا التعدد يجعلك تنتقل بشوق وحب بين تفاصيل هذا اليوم ،فتتحول قراءتك لمجموعته لقراءة ليوم غير عادٍ من مجموعة ألق وحب وفرح وترح.
نلاحظ أن الكاتب ناقش كثيرآ ظواهرآ عدة في مجموعته القصصية بأسلوب ممتع و سهل وواسع الصدر بحيث أنه يترك للقارئ فرصة كبيرة للتقليد ومحاكاة أسلوبه فيبعده بطريقته عن تناول مشاكله العادية واليومية بطريقة خطأ وبطريقة متعصبة اعتاد البعض اللجوء إليها في حياته . مما يعطي مجموعته المزيد من الزخم .
فيتعلم القارئ طرق معالجة الـمور ويتعلم تقليد الكاتب في علاج أي مشكل أو تفصيل من يومنا العادي بطريقة الكاتب المطروحة برقي حضاري.
وهذا إلي حدآ كبير يفتح بابآ كبيرآ للنقاش حول مدى فاعلية وتأثير الاسلوب القصصي في علاج مشاكل نمو المجتمعات الإنسانية والمدنية . إن السرد القصصي يتوقف عن النمو والتفاعل و عن خلق الحلول عندما يكون قصصآ يسرد ويحكي فحسب .
فحتي لو كانت أحداث هذا القصص مثيرة وتنتهي بقفلات جميلة لكنها تظل قابعة في سجن كاتبها وتظل تعبر عن معتركه هو دون التأثير في مجتمعات مبدعها .
أما القصص الذي يتمتع بأسلوب إنتاجي واستهلاكي معاً يبحث في عملية التبادل الفكري بين المبدع والقارئ ، فهو قصص يخلق ويساهم في ثقافة الانفتاح الثقافي لمجتمع مبدعيه وقُرائه ..ويعالج الكثير من القضايا بمزيد من الزخم والرقي الحضاري بما يخدم تنمية تلك المجتمعات .
وهذا بالضبط ما شاهدناه ولمسناه في تفاصيل اليوم العادي . تتوطن هذه التفاصيل في المجموعة التي سبقت هذه التعرية الاجتماعية لأطياف المجتمع
في مجموعة {المرأة الفرح } إنها تكتب للمرأة بشكل خاص ..و بأسلوب يقترب من فكرها .و يسرد طبيعتها في بلادنا ويتكور في عجين الانفتاح ليصهر لنا منتوج ثقافة المجتمع المحافظ الذي ينظر للمرأة كإرث ثقافي ، وجزء لايتجزأ منه ،يجب الحفاظ عليه من أية خدوش ورتوش .
يتنقل الكاتب هنا بين عوالم مختلفة لأطياف نسائية تُطل علينا كل مرة من نافذة ..وكل نافذة تخلق وتحكي لنا ثقافتها …وكينونة الروح فيها …ويستقطب اللغات الشتي فيها ..فمرة بلسان البحر ..ومرة بلغة الصخب ..ومرة بحديث المطر ! تعالج مشاكلها بطريقتها …يعجنها الكاتب في معتركها الذي تتعرض له …ويشكل منها حلآ يجب أن يكون هو الصورة الناتجة من هذا المعترك لكي نقرأها بها قراءة صحيحة تليق بها .
أي لغة يضعنا فيها الكاتب هى في نظره ترجمة حسية ومادية ومعنوية للمرأة خاصة في بلد عاش تقرحات الجسد الثقافي التي اهترأ فيها الحديث عن المرأة ، فصار كأنه ذلك الحرم المحرم والممنوع التداول فيه تفاصيله .
إن عنونة المرأة الفرح هى عنونة تحفظ لها الحق في الريادة في مجتمعنا المنغلق ..فيراها الكاتب عنوان السعادة …ونافذة الحياة التي نطل منها ..يرى فيها صورآ لظلال من حقها أن تتفيأ في وجودها كجسد وكروح المجتمع ..فهى الفرح لهذا الوجود ..وهذه الكينوينة الثقافية في أسلوب المسلاتي قدر ما تلامس جوارحك ذاكرة التاريخ والتراث الليبي ..قدر ما تشعرك أنك أمام مفترق يجب أن تختار فيه أن تنشئ نسيجآ متماسكآ لوطنك مفاده أن الكتابة القصصية إن لم تكنْ معاناه نابعة من جوهر المشكل الثقافي والاجتماعي والمدني والسياسي..فلن تكون كتابة مؤثرة تصل بعقل القارئ لبر الحرية والامان والانفتاح والوعي والتمدن …كل هذه الادوات تنشأ من أجلها مسابقات كبيرة وعالمية لتبحث في مجال التأثر والتأثير علي العامة والخاصة من أفراد وشخوص المجتمع .
القراءة للمسلاتي ممتعة وخفيفة الروح ومُلقية للظل ومستمدة بوضوح من الشمس مؤثرة …راقية في التعامل مع القارئ مما ينبئ عن الخلفية الاجتماعية للكاتب .. تتهجأ العالم الجديد ..وتدهشك بأنها قرأت هذا العالم الذي نراه الآن بكافة تطبعاته قراءة صحيحة لاغبار عليها .