كامل عراب
ليس بيني وبين الأرقام مودة على الإطلاق.. فعندما كنت صغيراً كنت دائماً أرسب في مادة الحساب.. وحتى هذه اللحظة أخطئ في تاريخ ميلادي ورقم بطاقتي الشخصية ورقم هاتف منزلي.. وإذا حاولت أن استخدام الأرقام للضرورة القصوى أجد نفسي أتحايل على نفسي وأخترع أي مبرر للهروب من هذه المحاولة ثم أشرع في التأجيل والتسويف إلى أن يضيع الوقت وتضيع فرصة الحاجة إلى استخدام الأرقام.
هذا الأمر يضايقني كثيراً وأعتبره عقدة شخصية لا يجوز الحديث عنها أو الإفضاء بها للآخرين، إلى أن اكتشفت أنني لست وحدي من يعاني من هذه العقدة الوبيلة.. فثمة أشخاص على مستوى هائل من المسؤولية السياسية والأدبية والاجتماعية والعلمية يعانون من نفس هذه العقدة اللعينة.. فتواضعت عقدتي بالمقارنة إلى عقدتهم.. وإذا كانت عقدة لجفوة أو عدم المودة مع الأرقام فضلا عن ذلك تسكن في عقول رؤساء الدول مثلا فماذا كون عقدتي أنا الإنسان البسيط الذي يساوي صفرا بالمقارنة معهم؟!.
حتما ستكون إشارة عابرة في الحياة لا معنى لها .. ثم إن الكاتب مجبر على التوقف عند الأرقام إما لأنها مفزعة أو لأن لها دلالة وهو في هذه الحالة «يدوس» على قلبه يتأملها جيدا ويصبح بالتالي مجبرا على البوح بها للآخرين.
خذ مثلا هذه الأرقام المهولة، وأنا أنقلها مجرد نقل من إحصائية علمية: تتمركز الثروة الآن في يد قلة قليلة من الدول الغنية.. لا بل تتمركز الثروة نفسها في تلك الدول في أيدي قلة قليلة من الناس.. ثروة ثلاثة أمريكيين تعادل أو تزيد عن ثروة 45 دولة من دول العالم الفقيرة.. وثروة 48 أمريكيا تزيد عن ثروة مليار فاصلة ثلاثة إنسان في العالم (1,3 مليار)!!
ناتج هذا الثراء الفاحش هو حصيلة الجباية الأمريكية من الاستثمارات الموزعة في مختلف أنحاء الكرة الأرضية وبالذات لدى الدول التي تعاني الجوع والفقر.
فإذا قلنا بأن العرب والمسلمين هم خمس سكان الكرة الأرضية وهم أصحابها جغرافيا وأهل ثرواتها الطبيعية ومواردها التي تدر كل هذه العوائد على القلة القليلة من الدول الغنية، والقلة القليلة من الأثرياء وهم جميعاً أمريكيون.. فلماذا لا ينتبه السادة الرؤساء.. أصحاب الجلالة والفخامة إلى أهمية الأرقام.. في إمكانية استخدامها للضغط من أجل قضية فلسطين والمسجد الأقصى والقدس؟!.
هناك عقدة بيننا وبين الأرقام.. فنحن لا نعرف قراءة جيدا.. أو أننا لا نحاول ذلك.. نحن نعترف بعقدتنا كبشر عاديين ونخجل منها، لكن الأمر يختلف مع أسيادنا الرؤساء أصحاب الفخامة والجلالة.. إننا نطلب منهم بتواضع جم أن يقرأوا الأرقام وأن يستخدموها.
___________________
كامل الهادي عراب (على طرف اللسان.. مقالات مجمعة)، الهيئة العامة للثقافة، طرابلس، 2020م.