النقد

التنوع السردي في قصص خالد السحاتي

قراءة في مجموعته القصصية “شواطئ الغـربة”

أمل رفعـت (مصر)

غلاف المجموعة القصصية شواطئ الغربة.
غلاف المجموعة القصصية شواطئ الغربة.

من الطبيعي أن تقع العيون على الغلاف كعامل جذب ومع العنوان تتضح إيحاءات بالمحتوى؛ وقد جاء الغلاف متناسقًا مع العنوان، ولا أجده عتبة رئيسة كما توقعت؛ فهناك غلاف لكل قصة، وهذا الدمج بين الإبداع الفني والسردي يعطي مشهدية براقة، وعامل جذب للمتلقي، وتوضيح ما خفي بين السطور، بالرغم من أنه أحيانًا يجمح جماح خياله وتأويلاته، وربما كانت المقدمة الأولية والتي تلتها أبطأت عامل الجذب، فالعمل الأدبي لا ينبغي أن تكون له مقدمة أو رأي يبدي انطباعًا عليه في بداية العمل الأدبي، وكان من الأجدى والأفضل وضعهما في الآخر بعد اكتمال القصص جميعها، وإن كان ذلك يمكن تداركه في الطبعات المستقبلية.

– لندخل الآن من باب اللوحة الأولى(شواطئ الغربة):

شواطئ تبحث عن مرسى للمارين بجانبها والمخترقين لمدنها، إنها الغربة المخترقة للصدور، الغربة في الأوطان، وفي ذات المكان، والعودة من الغربة لم ينفي انقطاعها، ففي القصة تعيش فينا الغربة حتى تقتلنا، أو نقتلها، والنهاية هنا يائسة لكنها منطقية تدفع القارئ إلى التفكير، والتحليل حتى لا يتوه، قد يتجه تحليله إلى نهاية البطل على شواطئ، وربما كانت هجرة غير شرعية على الورق، وانتهت بكسر القلم.

– ها هي لوحة جديدة بعنوان(ضجيج الصمت):

لست من هواة التصنيف القصصي، ولكن لهذه القصة التي تلعب حروفها بالترميز يمكن حسابها على صنف القصة القصيرة جدًا، وبالطبع القصة القصيرة تختلف في طريقة عرض القضية عن القصة القصيرة جدًا، وفي حالة قصتنا هذه نجد أن هذا العرض مناسب جدًا، فليس هناك كلام بعد تبادل الأدوار لندرك ذلك الحدث، وهو تحول الصمت إلى سراب، أما كيف يكون ذلك؟، فهذا يرجع إلى تأويل المتلقي؛ ففي البيئة العربية متسع لتشابه الظروف الإقتصادية والسياسية والاجتماعية لكافة القراء العرب، وغالبًا ما يفضل المتلقي أن يجد للمعنى تأويلًا سياسيّاً.

– قصة انتشاء:

هي لوحة تجريدية أخرى، وكما لاحظت أن التجريد والسرد يسيران بانسجام في خطوط متوازنة ومتلاقية في العنوان، وبذلك تكتمل الصورة السردية.

الإنتشاء هنا جاء عند الذكريات القديمة، والتوقف عند التكريم، وبالتالي، جاءت النهاية طبيعية، فلم يتوقف العطاء على العمل، لذلك كانت الأحلام مبتورة فقد توقف العمل فقط.

العنوان(انتشاء) فيه تضاد مع المحتوى، وهو الحزن الشديد، والذي غالبًا يأتي بعد تجرع الذكرى.

– حلم:

وفي هذه اللوحة يحاول السارد تبرئة الحب من كل زلة، ففي حالاته كلها تتوقف على نتاج أصحابه أو أطرافه، إما كان وهمًا أو ذكرى، أو حتى ألمًا فهذا الكابوس في غفوات الحب في الليالي الحالكة فقط، وهنا الإسقاطات على المحبين هي محور الأقصوصة وحدثها.

– بالعودة إلى المقدمة نجد أن السارد قد صنف قصصه بالفعل بوصفها أنه تقع بين القصة القصيرة والأقصوصة، لذا فمن الطبيعي ان أراها كقارئة بعين الناقد أيضًا، وأن أصفها كما يحلو لي، وأراه فعل خيرًا بهذا الوصف في المقدمة التي لم يكن لها داع، كنت أحب أن ينطلق القارئ ويشعر بها من دون أن يشغل باله بكونها قصة قصيرة أو أقصوصة، ونرى من بداية الإهداء أن هذه القصص وطنية بلا منازع، ومحملة بهموم ذلك الوطن الذي يسعُ شعباً رائعًا.

– (انتظار) يعد نصا، وليس قصة، كذلك أرى (متاهات التشظي).

– بعض العناوين لا تشكل إضافة للقصة مثل قصة “ندم”، فهي تستحق عنوانًا أعمق؛ كي يضيف للقصة مفتاحًا أو مدخلًا لها، كذلك قصة (نهاية الحكاية).

– من القصص التقريرية قصة (المحفظة)، فالفكرة مباشرة، بها نصيحة واضحة من المؤلف، ولكن يمكن النظر لتلك القصة بمنظور مختلف، وهو جلد الذات وتقويمها من خلال تفكير البطل بصوت عالٍ.

– هناك بعض القصص تحمل سمة الرواية، مثل قصة: “تجليات الأقدار” وقصة “لعنة الكلمات”.

– هناك قصص لم يكتمل بها الحدث مثل “الأطلال”، فالحدث داخلي، وهو أخذ حقيبة الذكريات، ولم نعرف ما سبب الرحيل، أو ما هي البقايا الذكريات.

– قصة “تحايل” كان من الأفضل أن تقف عند جملة: “استيقظ على صوت ممرضة ثلاثينية في دار المسنين”.

– القصص التي بدأت بالأفعال أعطت فاعلية للأحداث، جذبت معها القارئ، مثل: قصة “زخات” وقصة “لقاء” وغيرهما.

قصة “طيف” تغير فيها مدار الحدث، وظهر على السطح الحدث الجديد؛ فجذب المؤلف القارئ إلى البحث معه عن الطيف، بدلًا من البحث عن مسبحة أم البطل.

– “فزع الكوابيس” وقصة “فرار” الأحداث بها جارية، وفي ذات الوقت هناك قصص قصيرة جدًا تنقصها الدهشة التي تميز هذا الصنف الأدبي، وهذا بعكس قصة (لا شيء) التي تنتهي بنهاية داهشة.

– بهذا العـرض السَّابق للمجمُوعة السَّرديَّة نستطيعُ القول بأنَّها مجمُوعةٌ سرديَّةٌ مُتنوِّعةٌ بين القصة والأقصُوصة (القصَّة القصيرة جدّاً)، والنَّصِّ السَّـرديِّ الذي يبرزُ الحكي الإجتماعيَّ الإنسانيَّ والوطنيَّ.

مقالات ذات علاقة

قوة السرد في أدب صالح السنوسي

المشرف العام

رواية تكون الشخصية عند “وفاء البوعيسي” من ليبيا

المشرف العام

قبضة من أثر شعر

صلاح عجينة

اترك تعليق