أحمد ونيس
من خلال تصويره لفترة نفي الفاشست للمتمردين من الليبيين والعرب في قالب يتجاوز الروائي إلى الفكري والتاريخي المتخيل رواية ” الهروب من جزيرة أوستيكا ” أنموذجاً
في روايته هذه الصادرة عام 2019 عن الهيئة المصرية للكتاب، يقدم دكتور صالح السنوسي؛ إدانة روائية لحقبة استعمارية نكلت بالإنسان الليبي والعالمي.
تبدأ القصة بفلاش باك أو ما يسمى الارتجاع الفني، في مخزن للخضروات، بمزارع جزيرة أوستيكا الإيطالية؛ حيث يتم نفي المتمردين من العرب والإيطاليين على حكم الفاشيست. فتنشأ علاقة حب تجمع بين فتاة ايطالية ” لورينزا ” والسجين ” سالم البراني “.
إن هذا العمل الروائي يقوم على ضمير الغائب كراوي رئيسي للحدث، لكنك تجد في أحياناً كثيرة من السرد أن السنوسي صالح؛ يتبوأ مقعده السردي كراوي عليم من خلال البناء الروائي لتأثيث المكان في مشاهد عديدة، كهذا مثلا:
(عندما وصل سالم البراني إلى المخزن حاملاً فوق كتفه كيساً ثقيلاً من البطاطس، رأى فتاة خضراء العينين طويلة القامة تميل إلى النحافة، تضع على رأسها الغطاء الذي تضعه النساء الإيطاليات في تلك الجزيرة، بينما تدلت بين كتفيها جديلة شقراء طويلة.
تسمر في مكانه واستغرق في النظر إليها حتى أنه نسي أن هناك حملاً ثقيلاً فوق كتفيه ينبغي أن يتخلص منه ويلقي به على الأرض).
إنه على امتداد ضمير الغائب، في سرد الراوي العليم استطاع صالح السنوسي الباس شخصياته في الحوار لبوس متعددة، وذلك لإسقاط حالتهم النفسية على وضعهم كسجناء؛ من حيث صعوبة اتصالهم وتواصلهم مع العالم من منفاهم في سجن جزيرة أوستيكا.
تبدأ الرحلة من مركب صغير كان يرسو بين السفن الراسية في ميناء بنغازي، ليبحر هذا المركب نحو جزيرة أوستيكا الإيطالية؛ وهو يضم عدداً من الرجال المكبلي الأيدي تحت حراسة شرطة “الكارابنيري”.
وبرغم قوة الحبكة الروائية، إلا أن صالح السنوسي يستخدم لغةً بسيطة مختلطة بين الفصحى والبدوية العامية الدارجة، ويوظف مفرداته في قالب يتجاوز التكلف والاسهاب، الأمر الذي يجعل الرواية كسهل ممتنع لعالم آخاذ حتى وإن غادرته لن يغادرك.
إنها رواية تستحق القراءة، ولقد استمتعت كثيراً بصحبتها. أو كما يقول المثل الليبي؛ الذي قام الروائي بتوظيفه في الحوار على لسان إحدى شخصياته: (طاري التمر كيف وكاله) وهذا بالضبط ما فعله السنوسي بأن جعلني أعيش في عوالمه الروائية كأنني جزء من الحدث وحاضر فيه بقوة.