قراءة في كتاب (حكايات الميعاد) للدكتور علي برهانة
على غرار ما فعله (الأخوان غريم) من جمع الحكايات الشعبية في ألمانيا، صدر كتاب حكايات الميعاد للدكتور علي برهانة.
حكايات الميعاد كتاب يوثق ولأول مرة تلك الحكايات التي كنا نسمعها من جداتنا ونحن نتحلق حول موقد النار في ليالي الشتاء الباردة.
لكن برهانة ذهب إلى أبعد من ذلك، فهو ينحت مصطلحاً جديداً لما كنا نسميه القصص الشعبي، إذ أنه يرى أن كلمة شعبي لا تعبر تعبيراً دقيقاً عن جميع أنواع هذا القصص وإنما الحكايات الشعبية هي جزء من ذلك التراث والذي يشمل: (الحكايات الأسطورية، الحكايات المَثَلية، الحكايات الشعبية، الحكايات المرحة، الحكايات المناقبية) وهذه كلها يجمعها برهانة تحت مسمىً عام وهو (حكايات الميعاد)، إذ أنه لا رباط بينها سوى ذلك المجلس (الميعاد) الذي تُحكى فيه.
لم يكن الأخوان غريم يتوقعان ما نتج عن عملهما، فقد تُرجم كتابهما إلى أكثر من 100 لغة، وألهم الكتاب والأدباء، وأُنتج الكثير من الأعمال السينمائية التي تجسد تلك القصص أو المستوحاة منها، ومن أهم تلك الأعمال ما أنتجته (والت ديزني) مثل سندريلا، بياض الثلج، الأقزام السبعة، الأميرة النائمة وغيرها.
(حكايات الميعاد) لا يقل أهمية عن عمل الأخوين غريم، خاصة أن الذي جمعه هو الدكتور علي برهانة الخبير في كل ما هو شعبي شعراً ونثراً، وهو المؤسس لمركز المأثورات الشعبية.
الكتاب يُناقش في مقدمته عدة قضايا، ومن هذه القضايا: قضية المصطلح، ولغة الحكاية، وقضية التحول والثبات بين الشفهي والكتابي في الحكاية.
وهذه الأخيرة تحتاج إلى دراسة عميقة حيث يظن الكثير من الناس أن الحكاية التي كانت تُروي قبل 200 عام هي نفسها التي تُروى الآن، لكن النقل الشفهي لا يسمح للحكاية أن تبقى على حالها وإنما تتحول تبعاً للوعي الجمعي والثقافة السائدة، والجميل في الأمر أن المؤلف لم يستعمل كلمة “تطور” وإنما استعمل كلمة “تحول”، ذلك لأن هذا التحول قد يكون صعوداً وقد يكون هبوطاً.
“ميمونة تعرف ربي وربي يعرف ميمونة” و”بعد ركوبنا ع الخيل” و”ركوب القزازين ع الخيل” و”العنز السودة” و”الزنتاني والبازين” و”الجباد والفقي” “الفارة وأولادها” “الفكرونة والأرنب” وقصة المرأة التي في القمر وغيرها الكثير.. قصص ليست لمجرد التسلية وإنما تعطيك انطباعاً عن طريقة تفكير الإنسان العربي قبل أن تحاصره التقنيات الحديثة، وهي قصص لا تخلو من فلسفة عميقة لمن أراد أن يغوص فيها ولا يكتفي بظاهرها.
على الصعيد الشخصي أعتبر هذه القصص ملهمة بشكل لا يوصف في مجال الكتابة الأدبية، وهي ليست مجرد قصص كما أن بعضها له علاقة وثيقة بالتصوف الإسلامي.
الكتاب الذي يقع في حوالي 150 صفحة يعتبر الأول من نوعه في ليبيا، فقد كان تركيز جامعي التراث الشعبي على الشعر بشكل خاص وهذا تسبب في ضياع كم هائل من المرويات الشفهية النثرية، لكنني أتمنى أن لا يقف الأمر عند هذا الكتاب، وأن يكون هذا الكتاب دافعاً لتوثيق القصص والأحاديث الشعبية خاصة وأن التنوع الثقافي في ليبيا واتساع الرقعة الجغرافية لا يكفيه مؤلف واحد، فما يوجد في طبرق والكفرة قد لا يوجد في غدامس والجفرة!.
ختاماً.. إن علي برهانة قد رسم ميعاداً قد يستمر لمئات السنين، وقد يُحدث نقلة نوعية في الكتابة الأدبية، وهذا أمر يتوقف على وعي المتلقي وعلى نشاط الحركة الثقافية في هذا البلد!