قصة

أنا وحذائي والموناليزا…

من أعمال التشكيلية المغربية صورية زاركي

الكل ينظر الي وانا اطرق بكعبي العالي وهو يحدث صوتاً عالياً على رخام المتحف اللامع؛ ولا أدري لماذا لبست هذا الحذاء في هذا اليوم الذي قررت فيه زيارة متحف (اللوڤر).. ربما شعرت ان الزيارة ستكون رسمية جداً ومهيبة ولابد ان أكون في كامل أناقتي.. فأنا سأزور حضارات وتاريخ ولوحات لا تقدر بثمن…

حاولت ان ارفع قدمي عن الأرض حتى لا ألفت انتباه أحد ووبخت نفسي؛ لما لم ألبس حذاء رياضياً لكنت الآن في مأمن من العيون الناقدة، ولم أرى أحد أثار الفوضى بمشيته سواي، تقدمت بمشيتي المزعجة ولم أنتبه لتلك اللوحات المثبتة على جانب الحائط لتعرف في اي مكان أنت ووجدت نفسي داخل الحضارة الفرعونية، مومياوات على كلا الجانبين، تنظر إلي شزرا، توقفت قليلاً وفكرت أن أخلع حذائي العالي الكعب والساق حتى المنتصف ،فقد رأيته بالأمس معروضاً على أحد الواجهات الزجاجية لمحل صغير وقد انتعلته مانيكان بملابس إحدى الأميرات من العصر الفيكتوري له جلد  أنيق وسعر جميل فاشتريته لهذه الزيارة، كيف أخلعه وأمسكه في يدي سيصبح منظري مثير للنقد أكثر، ثم أن الجو بارد وجواربي الحريرية لا تقيني برودة هذا الرخام الجميل!

تقدمت بين المومياوات وشعرت أني أيقظتها من سباتها العميق، لقد حدقت بي وكأنها تقول: “ما هذا الطرق الذي على رؤوسنا، يا لكِ من مزعجة“.

غادرت المكان على أطراف حذائي ووجدت أخيراً مكاناً خالياً على كرسي طويل في أحد الممرات، جلست وقررت أن أخلع حذائي الطويل الذي لم يكن له سحّاب بل علي أن أنزع قدمي منه بقوة.. حضنته بإحدى ذراعي وتوجهت الى أكثر الأماكن ازدحامًا، إنها لوحة الموناليزا، لقد كان هناك الكثير يلتقطون الصور لها ومعها رغم أنهم قد وضعوا حواجز ذهبية لها حبل طويل باللون الأحمر يفصل بين الزوار ولوحة الموناليزا وقد وضعت الصورة داخل صندوق زجاجي محكم الاغلاق.

حاولت الاقتراب لأخذ أنا أيضاً صورة معها، وعندما مددت يدي بالكاميرا لأحدهم ليلتقط لي صورة سقطت مني فردة حذائي ولم أكترث ولكن يبدو أني في كل مرة أثير الفوضى، فقد ركل أحدهم بها دون أن ينتبه حتى تجاوزت الحاجز واستقرت تحت صورة الموناليزا أما الفردة الأخرى فمازالت تحت ذراعي.. بحثت عن أحدٍ من رجال الأمن ليحضرها لي ولكن لم أجد أحدًا…

نظرت الى وجه الموناليزا فإذا بها تغمز لي وتطلب مني أن أقترب؛ اقتربت اكثر ونظرت إليها وقلت لها: “لما كل هذا الزحام بقربك؟ “…

– “منبهرين بي، ألم تفعلي أنتِ؟ “

– “نعم، فعلت ولكن عدلت عن ذلك عندما قرأت عنكِ وعرفت إنكِ رجل ولستِ إمراء!!“

-” لماذا إذاً أنتِ هنا تريدين التقاط صورة معي؟“

– “لأنكِ مشهورة“

– “لقد فعلها داڤنشي، وجعلني مميزة ومحط أنظار العالم !!“

– “نعم، أعتقد أنها صورة لدافنشي شخصياً“

– “ليس لي علماً بذلك“

– “ها قد عرفتِ، ومازال المعجبون يتزاحمون ليلتقطوا صوراً معكِ، إنهم لا يستطيعون الهرب من نظراتك“

– “ولماذا تفعلين مثلهم؟“

– “لا أدري، ربما هي العادة، نحن دائماً يعجبنا التقليد..“

– “نعم.. ولكن أرى أنك نزعتِ ثقتي في نفسي عندما أخبرتني أنني لست امرأة وإنما انا داڤنشي نفسه بحواجبه الكثيفة وانفه الإيطالي“

– “لا تبالي، ليس الجميع يعرف الحقيقة، وقد لا تكون هذه أيضاً حقيقة فالتاريخ يكتب بأقلام مختلفة“

– “حسناً، لماذا تنظرين أسفل صورتي؟“

– “أريد فقط أن أسترجع فردة حذائي“

– “هل هذا الحذاء لكِ ؟ انظري انهم يلتقطون له الصور ؟“

– “نعم لقد أثار فضولهم خاصة وأنه تحت صورتك،

نظرت إليها بعد ان صمتت ووجدت انها اشاحت بنظراتها عني، حاولت التسلل أسفل الحاجز لأصل إلى فردة حذائي الهاربة ولكن ودون سابق إنذار، دوى صفير عالي، وجدت شخصاً بملابس رسمية قد وقف فوق رأسي، ونظرات الموناليزا (أقصد دافنشي) الشامتة تراقبني، ليس فقط هي بل ونظرات كل المتحلقين حولها، لم أستطيع التقاطها وخرجت من اللوڤر بفردة حذاء واحدة، ترى ماذا سيحل بها؟ هل ستجد نفسها يوماً مرسومة داخل إطار من خشب مطلي بالذهب ويكون لها قصة وتاريخ، أم إنها ستجد طريقها الى النفايات…

مقالات ذات علاقة

أضغاث الأحلام

مفيدة محمد جبران

الطوفان

عبدالعزيز الزني

مارد النار

المهدي جاتو

اترك تعليق