كان الشيخ جالساً، في ركن ما داخل المنارة، والشيب في لحيته الكثة، نظر إلى شاب لم يرق له، فأعتبره للوهلة الأولى ومن تقاسيم وجهه المسّود بأنه حجر عثرة ونذير شؤم، فآثر أن يبقيه ضمن مريديه، فمسكه بقبضة يديه، وبذراعين مليئة بالشعر قذفه من خلال الشرفة..
أجل حمله عالياً في رحلة تمجيد البهتان، أوصله للحظة تستحق التصفيق للآلاف السنين، ومن تم رماه بلا شفقة..
ذاك الشيخ، اعتقد في رحلة المجون، بأن الشاب حجر عثرة أمامه، لكن الأقدار بقدرتها جعلته جمرة.. وأي جمرة تلك التي تتحالف مع الريح..؟
بعد أن أنهى الشيخ مهمته، استدار، وتلك خطيئته، لأنه استدار قبل التأكد من سماع صوت الارتطام، أو حتى الاستعانة بالنظر لطمأنة النفس الأمارة بالسوء.. واصل الرحيل في أفقه المشين، مزهواً بعد أن رمى ابتسامة ملونة بألوان غامضة
مرتبكة.. متداخلة، ومد يده على شماعة تقبع في ركن الغرفة خلف الباب، وتناول منها رداء الطمأنينة، لبسه مع انه قصير الأكمام وطوله لا يستر الكرش المنتفخ من جراء التهامه للخواء كلما أعتلى مرتبة ما..
رمى بجسده الثقيل على السرير ونام فضيلته قرير العين، بعد أن اعتقد بأنه تخلص من حجر النحوس الذي عكر صفوه.. صرخ السرير لكنه فقد الأنفاس، والأرض أسفل الهاوية امتصت السقطة، والريح بدأت تعزف معزوفتها الخالدة مستخدمة كل الآلات، الوترية منها والنفخ.. يحلو للطبيعة أن تسميها أغنية الحياة، وتعيد صياغتها من حين لآخر..
أنتفض الشاب من أول نفخة، أو ربما من أول سقطة مستفيداً من قانون الضد الذي منحه القوة بيد الأقدار، فتحول إلى مارد النار، وصار يرتفع ويرتفع من ذات المكان، فتسلق الجدران، عبر النافذة، ألتهم الستائر والشراشف زحف على السجاد الأعجمي، امتلأت الغرفة بالأدخنة، سعل الشيخ النائم في سباته العميق، استيقظ وهو مفزوع بعد أن حدثت في نفسه ربكة، ابتسم الشاب لكنه لم يقهقه..
حاول الشيخ أن يفر عبر الباب، لكنه لم يفلح لأن الضغط المتحالف أيضا مع الشاب أغلق النافذة ووقف أمامه كحجر عثرة.. تصبب بالعرق وتضائل حجمه بتضاؤل الأمل..
النفس الأمارة بكت، لكن الدموع لم تطفئ النيران..
عندما سقط الشيخ مغشياً عليه، حطم الشاب الجام ساحباً بذلك فلول الجيش الناري بعيداً، فلاح في السماء لامعاً..