الطيوب
أقام المركز الليبي للدراسات الثقافية ضمن موسم (الإثنبن الثقافي) مساء يوم الإثنين الموافق 26 إبريل 2021م في دار حسن الفقيه حسن للفنون بمدينة طرابلس القديمة محاضرته الشهرية الرابعة المعنونة بــ(عن ترجمة الأثر الأدبي) ألقاها الكاتب والمترجم “عبد السلام الغرياني” وذلك بحضور لفيف من الكتّاب والأدباء والمهتمين.
وقد استهل الشاعر والكاتب “صالح قادربوه” مدير المركز كلمة الإفتتاح رحّب فيها بالحضور وبالكاتب الذي تحدث من جهته عن واقع حركة الترجمة ما بين الراهن والمأمول منطلقًا من تجربته الشخصية في عالم الترجمة الأدبية وذائقته التي دفعته لإتقان اللغة الإنجليزية منذ بواكير مسيرته الأولى مع صحيفة العرب اللندنية في تسعينات القرن المنصرم الأمر الذي فتح أمامه الأبواب على مصراعيها لاكتشاف وتذوق الآداب العالمية لاسيّما المكتوبة بالإنجليزية ويضيف الكاتب بأنه واجه مسألة الوقوع في لعبة المقارنة بين ما ينتجه الأدب الغربي وبين ما ينتجه الأدب العربي والشرقي عمومًا فالنصّ الأدبي الغربي حسب رأيه يسبق بأشواط كثيرة النصّ الأدبي العربي .
وأردف بأنه كان يبذل جهدًا في إضفاء رؤية أخرى للنصوص التي يدأب على ترجمته للغة العربية مُشيرًا إلى أن هنالك مجموعة من الروايات العالمية لم تحظى بترجمة عربية رغم ترجمة معظم عيون الأدب العالمي للعربية مستشهدًا في هذا الصدد بمجموعة من الأعمال الروائية، كما أضاء على عدة نقاط لعل من أبرزها المعايير والشروط التي ينبغي للمترجم التحلي والإلتزام بها أثناء قيامه بعملية النقل من لغة إلى لغة أخرى مثل الأمانة العلمية في النقل بمنأى عن قناعاته وإعتقاداته الخاصة وضرورة أن يكون النص المترجم محافظًا على روحه وأصالته بأسلوب شاعريّ متميز، وأيضًا توقف عند تجارب متباينة لمترجمين عرب كان ولازال له بالغ الأثر في أعمالهم المترجمة كالراحل سامي الدروبي وصالح علماني .
وذكر صعوبة الترجمة الأدبية ومدى المعاناة فيها وعلى المترجم أن تتوفر فيه الأدوات اللازمة التي تؤهله للترجمة من ثقافة وإلمام بكل شيء فضلاً عن نمو الحس الإبداعي داخله وفهم وتذوق النصّ وأضاف في سياق متصل بأن أهم أمر على المترجم الإلتفات إليه هو تقمص روح الكاتب سيولوجيًا ونفسيًا وكذلك الإحاطة ببيئة النصّ والأجواء والظروف الذي كتب فيه النصّ .
وبيّن في المقابل أبعاد مشكلة المترجم العربي المتمثلة في عمله الفردي بينما أن الترجمة جهد بحاجة إلى إحتواء ودعم مؤسساتي والعمل الترجمي لابد أن تتبناه مؤسسة قوية تنفق عليه بسخاء لتمنح المترجم وقت للتفرغ والكتابة وعرّج على إختلاف الترجمات من مترجم إلى مترجم فما سقط سهوًا أو هفوًا من مترجم تداركه مترجم آخر. وعن ترجمة الأعمال الروائية العربية للغات الحية الأخرى قال أنها تزامنت مع حصول الروائي نجيب محفوظ على جائزة نوبل للأدب لكنّ الإقبال عليها كان بسيطًا مُعزيًا عن إقبال القارئ الأجنبي نظرًا لغياب عامل الإبهار والإضافة في العمل الروائي العربي.
كما كانت للكاتب والمترجم “مأمون الزائدي” مشاركة بورقة بحثية حدد فيها المعنى العام حيث رأى بأن الترجمة عملية يشوبها التعقيد كونها مؤسسة على مجموعة من المستويات والأنساق المتشابكة ليعود ويوضح بأنها تظل عملية ممكنة ومتاحة، وركز في ورقته أيضًا على تحدي هام يخص الترجمة الأدبية المتمثل في مدى قدرة الترجمة على تقديم تأويل مقبول ومناسب للمعنى المطلوب فضلاً عن المفعول والأثر، وتطرق لخيانة الأمانة في النص المترجم وعدم إلتزام بعض الأقلام المترجمة للنقل الأمين المتوازن لمضامين النص الأصلي ومحتواه ومردّ ذلك يرجع لعدم إلمام المترجم وفقر ثقافته باللغات التي يترجم منها وإليها، وطرح في هذا الإطار نموذجين تمثلا في خيانة الأمانة العلمية في الترجمة الأول في الأدب العربي القديم من خلال ترجمة العباسي عبد الله بن المفقع لكتاب (كليلة ودمنة) وما أدخلته ترجمته من إضافات جميلة لم تكن في النص الأصلي للكتاب، والآخر في الأدب العربي المعاصر متمثلاً في ترجمة الشاعر المصري “أحمد رامي” لرباعيات عمر الخيام الأمر الذي دفعه لإجادة اللغة الفارسية، واعتبر الزائدي أن ترجمة رامي لرباعيات الخيام عملاً عبقريًا حتى ليخيل للقارئ أن الرباعيات ليست للخيام لما تميزت به الترجمة من صور شعرية ودلالية خاصة.