الشاعر والقاص والمترجم.. مأمون الزائدي.
حوارات

مأمون الزائدي: إنها تجربة خضتها بحثاً عن النص.

مأمون الزائدي:

في بلادي الشعر بخير، ولكن الشعراء أقل من عدد أصابع اليد الواحدة

مع النص الأدبي فالأمر يختلف!!!

تعثرت بمشكلتين: نرجسية صاحب النص، والنفاق الثقافي

حاوره: رامز النويصري

الشاعر والقاص والمترجم.. مأمون الزائدي.
الصورة: خاصة بمقع بلد الطيوب.

 

الترجمة رافد ثقافي مهم، والشعوب تعتمد عليه في تدعيم أسسها الثقافية والمعرفية، لتقديم خبرات وأفكار الغير والاستفادة منها. والترجمة الأدبية أحد هذه التجارب المهمة التي تقدم خلاصات التجارب الحياتية، كون النص الأدبي نص يختصر ويصهر التجارب الإنسانية، من خلال تجربة ورؤية الكاتب.

القاص والشاعر “مأمون الزائدي“، يقول إنه دخل عالم الترجمة، بعدما تفتحت أمامه الكثير من المعارف، ومارس من خلالها الاكتشاف.

في هذا الحوار نتوقف معه، في حوار حول تجربته في مجال الترجمة، بعد صدور كتابيه: (سيرة ذاتية للأحمر)، عن دار نينوى، و(بستنة في المنطقة الاستوائية)، عن المجلس الوطني للفنون والآداب.

الشعر أم القصة؟

بدأت بكتابة القصة ولكني أفكر دائماً في النص، لنقل الأولي أو بالتعبير البيولوجي primordial، النص البدئي الذي يحمل إمكانيات التقسّم لاحقاً إلى أنواع أدبية واضحة كما يحلو لنا تسميتها.. مثل الخلية الأصلية للدم، ضخمة وغريبة وغامضة وهي أم الخلايا الأخرى التي نراها لاحقاً، الخلايا الحمراء والبيضاء وغيرها.. لأن آلية العمل في هذه الخلية النص هي -لنقل استعارة- ليست مزيجاً فقط مما ستنتجه لاحقاً، بل لها أيضا نظامها وكيانها الخاص. وبدون الاستطراد في هذه الفكرة أعتقد أنه هنا وفي هذا المستوى (الجنيني) من الكتابة تمكن الملامح الحقيقية للنص. ولهذا أحاول الكتابة منقاداً لرغبة في إعادة اكتشاف (الشفرة الوراثية) لما نسميه النوع الأدبي إن صح التعبير.

أنا أحب الشعر واعتبره لغة الإنسان الوحيدة. ذلك الإنسان الذي بداخلنا وليس هذا الكائن الذي يجسده ويحمل اسمه.. عندما ينجح الشاعر في جعل ذلك الإنسان يتكلم حينها نسمع شعراً، وهذا لا يحدث دائماً لأن الانسان بداخلنا مقموع بمئات الوسائل والسبل ومنذ آلاف السنين. ومع ذلك ينجح في التعبير عن ذاته بحركات الجسد والرقص أو بلغات أخرى كالرسم او الموسيقي أو النحت أو غيرها.

في بلادي الشعر بخير، ولكن الشعراء أقل من عدد أصابع اليد الواحدة. وهنا أعود للإشارة إلى البدائية، لأن اللغة مليئة بالفخاخ، فأقول إن الشعر تنتجه المرأة عندنا وحال شاعراتنا وارف وفسيح، وهن كريمات حقاً وأنا أحمد الله على سخائهن وعطاياهن. الشعر كتاباتي لا تخلو منه كما يؤكد لي معلمون نتفيأ ظلال كتاباتهم دائماً.

-الترجمة؛ تمكن أم تجربة؟

لا أحد يدعي التمكن من أي لغة، حتى لو كانت لغته الأم. إنها تجربة خضتها بحثاً عن النص.

العالم واسع وجميل جداً وتغريك التعددية الثقافية واختلاف الهويات وخصوصاً، ونحن في زمن العولمة والبوابات المفتوحة بالتجول والاستكشاف والأمر يتطور بعدها الى شيء آخر ولكنه أساساً ناجم عن الفضول وحب الاطلاع والمعرفة. ولايزال الطريق طويلاً.

– الترجمة خيانة؟؟؟

لا أوافق على هذا التعبير السيوراني. الترجمة قد تكون خيانة عندما تتم ترجمة سوناتا لشكسبير إلى البحر الوافر أو الكامل، ونجدها قد تحولت الى قصيدة تضارع أعمال أحمد شوقي، فتغرق في بحر من الورق في سلة المهملات. ليست هناك خيانة في الأمر صدقني!!!

نعم الإنسان لا ينزل النهر نفسه مرتين، ولكن إذا كانت الترجمة دقيقة قدر الإمكان فإن فرق تجربة النزول الى النهر يكون في أقل مستوياته. لنأمل ذلك على الأقل. لا ينكر أحد الخصوصية المميزة لكل لغة وفقهها وإمكاناتها وهي طبعاً غير فقه اللغوي المشتغل نفسه وخصوصيته وامكاناته. الأمر قد يكون صحيحاً لكنه غير معقول من حيث بشاعة التعبير.

وعلى كل حال أنا لا أحبذ التنظير وأترك الأمر لمن هم أكثر تجربة واختصاصاً مني. أنا أدون انطباعاتي فقط. ثم إن التعميم ليس صحيحاً وهذا ينطبق أيضا على النقل من لغة وسيطة. ليس صحيحاً دائما أنه لا يجوز النقل من لغة وسيطة. هناك دائماً اعتبارات أخرى يجدر أخذها في الحسبان.

غلاف كتاب سيرة ذاتية للأحمر.
ترجمة مأمون الزايدي.

– ما الذي اكتسبته الترجمة؟

يشبه هذا السؤال القول ما الذي تكتسبه من القراءة؟ فالترجمة قراءة وبطريقة تشبه القراءة بالألواح التي كانت تتبع في الكتاتيب من حيث قدرتها على إبقاء الطعم تحت اللسان ودس خبرة التعلم في اللاوعي.. أنت تقرأ وتكتب في نفس الوقت.. لنقل إنها مهما أمتعت وأفادت القارئ يظل نصيب المترجم أكثر وفرة منه. وهذا إغراء للكثيرين بالمشاركة.

– إذن؛ هل الترجمة، قراءة أم إعادة كتابة؟

عطفاً على ما سبق أعتبر الترجمة قراءة وفهم للنص، كما أراده صاحبه وإعادة كتابة له كذلك أو قريبا جداً من ذلك بلغة أخرى. الفرق الوحيد أنك لا تملك النص وبالتالي لا يحق لك التصرف فيه لنقل بحرية تامة.. ولهذا فقد تتحمل تبعات النص الركيك أصلاً لأنك ملزم بالحفاظ على ركاكته.

الترجمة هي نقل أولاً، ثم ما بعدها يأتي بعدها. طبعاً أنا أتحدث ليس عن عموم الترجمة بل عن الترجمة الأدبية. وهناك نظريات وبحوث وأفكار حول هذا الشأن وفي الأدب المقارن يمكن الاطلاع عليها. كنت أترجم فيما سبق آمناً مطمئناً نصوصاً غير أدبية دون أن أحفل بها كثيراً وتنتهي مهمتي بمجرد نقلها. أما مع النص الأدبي فالأمر يختلف.. لا أدري ولكن هناك علاقة ما تتولد بينك وبين النص وصاحبه أو صاحبته، العلاقة وثيقة جداً بين النصين وبين الكاتب والمترجم لدرجة أن النص يتكشف أمامك بمميزاته وعيوبه.. تلاحظ هفواته، ومواطن ضعفه، وارتباكه وأيضاً اندفاعه وقوته.. وطوال الوقت تقاوم ككاتب الإلحاح الدائم بالتدخل.. مدفوعاً بالرغبة في إنجاز ترجمة (جيدة وجذابة) ولكنك تقمع ذلك الإلحاح ولا تطيعه مهما فعل.

قد يحتج عليك من يقرأ مسودتك ولكنك بعناد غريب تظل مصراً رغما عنه صوابية كلامه. ربما أبالغ قليلاً ولكن هذا ما أحسه.

كتاب بستنة في المنطقة الاستوائية. للمترجم مامون الزائدي.
الصورة: عن صفحة المترجم.

– هل جربت العكس؟

نعم!!!.

ولكني تعثرت بمشكلتين هما حسب الأهمية: نرجسية صاحب النص، والنفاق الثقافي. واكتفي بذلك لأني أؤمن أن الترجمة ليس جائزة تمنح لصاحب الكتاب، وبالتالي تُستهدف في حد ذاتها. إنها قيمة يولدها النص الذي يستدعي أن لا يبقى محجوباً عن الآخرين في لغات أخرى والذين يشاطرون الكاتب قيمه وتجربته وأفكاره.

– ماذا عن مشاريعك المستقبلية؟

الأمر لا يخلو من البركة كما يقولون. رغماً عن صدمة النشر وهي صدمة أخرى غير صدمة النص التي يتحدث عنها رولان بارت، أنا بصدد نشر عدد من الترجمات وأحضّر لمجموعة أخرى. وكذلك سيصدر كتابي رمل أزرق قريباً بعون الله.

– كلمة للختام..

يحضرني قول الأستاذ الشاعر الكبير “مفتاح العماري”: ما أجمل الحياة لأن أوهامنا معنا.

وشكراً جزيلا لاهتمامكم ومتابعتكم وتقبلوا تحياتي.

مقالات ذات علاقة

الروائية الليبية عائشة إبراهيم للعمق: احتميت بالكتابة ضد أصوات القذائف واهتزاز الجدران

المشرف العام

الشاعر محمد عبد الله.. لفسانيا: طموحاتي كبيرة جدا ليس لها مدى أو حتى فضاء يحتويها

المشرف العام

في حوار مع المحامي عبد الله شرف الدين 1-2

فاطمة غندور

اترك تعليق